يُروى عن الممثل الأميركي كيفن سبيسي قوله: "إذا أردت أن يعمل أحدهم لصالحك دون أن يشعر، فلا تطلب مساعدته، بل اطلب نصيحته"؛ من منطلق أن الناس -بطبيعتهم- يحبون أن يظهروا حكمتهم، ويتباهون بتجاربهم، فيمنحونك خططًا جاهزة وهم يظنون أنهم فقط يُدلون برأي عابر. هذه الحيلة -للأسف- تتكرر كثيرًا، خاصة مع من يمتلك خبرة أو رأيًا معتبرًا؛ إذ يتظاهر البعض بالبراءة والسؤال البسيط، ليخرجوا من اللقاء بما يُعادل جلسة استشارية كاملة، متجاهلين أن المستشار لا يبيع كلامًا، بل يقدّم عصارة تجارب ومعارف، وليس من العدل أن يُصلح قرارًا أو مسارًا دون مقابل. والبعض لا يفرّق بين "المشورة الودية" و"الاستشارة المهنية"... فينسى أن السؤال المهني، مهما بدا بسيطًا، يُربك جدولًا، ويستفز ذهناً، ويستدعي مسؤولية في الرد.. وثمّة فارق كبير بين طلب "رأي عابر" وطلب "حلّ متكامل"، بين "فضفضة صديق" و"تشخيص خبير"، وأحيانًا لا يكون الاستغلال متعمّدًا، بل عفويًا من فرط الألفة، لكنه يظل استغلالًا، ولو بلُطف؛ فالاستشارة حين تُطلب بلا مقدمات ولا مواعيد، تصبح اقتحامًا مؤدبًا... لكنها تظل اقتحامًا في كل الأحوال، والتقدير لا يكون بالثناء والشكر بعد الاستشارة، بل بالاستئذان قبلها.. وبالاعتراف أن العقول -أيضًا- لها أثمان. كثيرون يظنون أن "الاستشارة" مجرد حوار سريع، لكنها في حقيقتها تفكير عميق، وتحليل، واستحضار لتجربة كاملة، وهنا أعرف صديقًا يُعدّ من أشهر الخبراء في سوق الأسهم، ضاق من هذا الاستغلال؛ فكتب في تعريفه لنفسه في منصات التواصل الاجتماعي: "يوم الثلاثاء مخصص للاستشارات المجانية".. وكانت العبارة كافية لتُربك من في نفسه شيء؛ فمن يطلب استشارة مجانية يحيله إلى "يوم الثلاثاء"... والأسوأ أنه يوثّق كل جلسة بصورة وتغريدة وسنابه. الاستشارة لا تقلّ قيمة عن أي خدمة مدفوعة، بل قد تكون هي الأساس لكل مشروع أو قرار أو استثمار، والقضية ليست في المال وحده، بل في المبدأ.. فكما أن الطبيب لا يُسأل مجانًا، والمحامي لا يتصدّق بالدفاع، يجب أن نمنح أصحاب الخبرة حقهم.. لا أن نستغلهم مقابل كوب قهوة.