القرارات جاءت موفقة في توقيتها، لمواجهة وضبط الارتفاعات التاريخية الأخيرة في أسعار العقار، وإقامة بيئة سكنية مناسبة للمواطنين، ومحفزة للاستثمارات التجارية، وكلها تستهدف رفع نسبة امتلاك السعوديين للمساكن إلى 70 %، بنهاية الأعوام الخمسة القادمة، وبما يجعل الرياض في المستقبل القريب واحدة من أكبر عشرة اقتصادات للمدن في العالم.. في أواخر مارس من العام الحالي، أصدر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أربعة قرارت مهمة لمعالجة ارتفاع أسعار العقار في مدينة الرياض، فقد تم رفع إيقاف التصرف عما يزيد على 81 كيلو مترا مربعا من أراضي شمال الرياض، والسابق كان يستغل من قبل تجار العقار في رفع الأسعار، وبالأخص في محيط المنطقة الجغرافية التي تم رفع الإيقاف عنها، وهو ما أربك السوق العقاري، وحال دون تعزيز الإسكان الميسر، وتفعيل المفهوم النفعي للأرض، باعتبارها قاعدة للتعمير والبناء وخدمة المجتمع، وليست وسيلة للتجارة والاحتكار. يضاف لما سبق توفير أراض مطورة للمواطنين السعوديين، وبمعدل يتراوح ما بين عشرة آلاف إلى أربعين ألف قطعة سنوياً، بقيمة لا تتجاوز ألف وخمس مئة ريال، أو ما يعادل 400 دولار للمتر المربع الواحد، خلال خمسة أعوام، وتقييد التصرف بها لمدة عشرة أعوام، إلا لأغراض السكن الشخصي، وبما يحول دون استخدامها في المتاجرات العقارية، وبالمناسبة الموضوعان لا يوجد بينهما رابط، بمعنى أن ما رفع عنه الإيقاف، لن يكون بالضرورة ضمن قطع الأراضي المطلوب ضخها كل عام. القطع المقرر إتاحتها، تستهدف بالدرجة الأولى المواطنين المتزوجين، أو من تجاوزت أعمارهم 25 عاما، وارتفاع تكاليف الحياة وتحديداً السكن، ساهم في تأخر سن الزواج بين السعوديين، وفي السابق مراعاة لسن العنوسة، بحسب أرقام هيئة الإحصاء السعودية، والذي حدد ب 32 عاما، لأن 79 % من السعوديات يتزوجن في هذا العمر أو قبله، ولا يدخل في المعادلة من لديه عقار سابق، حتى لا يحصل على الأرض من يحاول استغلالها لأغراض استثمارية، لأنه يتعارض مع القرارات التي تركز على المواطنين، وتعطي الأولوية لمتوسطي ومحدودي الدخل، مثلما فهمت، ولو أن فيها ثغرة تحتاج لمعالجة خاصة، فاحتمالية استغلالها بواسطة تجار العقار واردة، وبإمكان أحدهم الحصول على أراض بأسماء مواطنين مستحقين، وتطويرها بما يناسبه، ومن ثم تسكين غيرهم فيها بالاتفاق معهم، فلا يوجد في القرارات المعلنة ما يمنع ذلك، ما سيؤدي لقيام ظاهرة جديدة يمكن تسميتها ب (التستر الإسكاني). القرارات بالنظر لتاريخها، كانت بمثابة عيدية من القيادة السعودية لمواطنيها، وقد تناولت بخلاف ما سبق، إجراء تعديلات عاجلة على برنامج الأراضي البيضاء، وبما يضمن تحقيق العدالة العمرانية، فالواضح أن الرسوم الحالية المفروضة عليها ليست كافية، أو غير مؤثرة بدرجة تحفز ملاكها على تطويرها، أو أنهم يتعاملون معها بوصفها تكلفة يمكن تحملها، دون تقديم تنازلات، وبالتالي لا بد من التفكير في رفعها وبطريقة تجعلها موجعة لهم، وسيعالج ضبط العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، الإرباك الموجود في سوق الإيجارات، وعشوائية رفعها السنوي، وخصوصا في الوحدات التجارية للمواطنين، وبحيث تتم مساواتهم بالأجانب، ويعطى المستأجر السعودي خيار التأجير لأكثر من عام بنفس القيمة، أو أن يكون الرفع عند التمديد لفترة إضافية وبنسبة بسيطة. ما قيل يستدعي تشريع ملزم لطرفي العلاقة الإيجارية، وبما يحاول دون استغلال طرف لآخر، أو تعسفه في استعمال حقه النظامي، مع الانتباه إلى أن سعر المتر المربع لشقق التأجير في شمال الرياض، يقدر في المتوسط بنحو أربعة آلاف و700 ريال، أو ألف و254 دولارا، والمتر المربع في استئجار الفلل، في المتوسط، لا يقل عن خمسة آلاف و800 ريال، أو ألف و547 دولارا، والكلام لخبراء العقار وليس لي، ومتوسط الراتب الشهري للسعوديين، كما تقول أرقام هيئة الإحصاء السعودية، يقدر بعشرة آلاف و119 ريالا سعوديا، أو ألفين و697 دولارا، وبالتالي فالإيجارات تنطوي على إشكالات كثيرة، لن تحل إلا بتدخل حكومي جاد وحاسم، وبما يعطي المواطن أفضلية سعرية في مسألة التأجير، تماما كما التمليك في القرارات الأخيرة. الرياض تعيش نهضة عمرانية ضخمة، وتستحوذ على 50 % من حجم الاستثمارات العقارية في المملكة، وتعدادها السكاني الحالي وصل إلى ثمانية ملايين و600 ألف شخص، والمتوقع وصوله إلى 15 مليون في 2030، واستنادا لوكالة نايت فرانك العقارية، فإن الطلب على الوحدات السكنية في المملكة، خلال الفترة ما بين 2024 و2030، سيصل لقرابة 825 ألف وحدة، معظمها في المدن الرئيسة أو في الرياضوجدة والدمام، والأولى ستأخذ الحصة الأكبر، والمعنى أن السوق العقاري السعودي، لا بد وأن يعمل على إتاحة 115 ألف وحدة سكنية سنوياً، وأسعار أراضي شمال الرياض، ارتفعت بصورة لا يمكن تصورها، بفعل التحولات العمرانية الضخمة، ومشروعات البنية التحتية العملاقة، من 400 ريال، أو 107 دولارات، للمتر المربع في 1998، إلى ثمانية آلاف ريال في 2025، أو ألفين و134 دولارا، وهذه القرارات جاءت موفقة في توقيتها، لمواجهة وضبط الارتفاعات التاريخية الأخيرة في أسعار العقار، وإقامة بيئة سكنية مناسبة للمواطنين، ومحفزة للاستثمارات التجارية، وكلها تستهدف رفع نسبة امتلاك السعوديين للمساكن إلى 70 %، بنهاية الأعوام الخمسة القادمة، وبما يجعل الرياض في المستقبل القريب، واحدة من أكبر عشرة اقتصادات للمدن في العالم.