تقدم المملكة العربية السعودية نموذجاً عالمياً في اهتمامها وتطويرها لكافة المجالات من جميع الجوانب، مما يقودنا لصناعة مستقبل واعد ومستدام في ظل رؤية حكيمة حقيقية تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة. كما أنها تولي اهتماماً متزايداً بتقنية الحوسبة الكمية، وبالرغم من أنها لا تزال ناشئة عالمياً فإن المملكة بدأت بخطوات استباقية في هذا المجال ضمن توجهها الرقمي، إدراكاً منها لأهميتها في تعزيز الابتكار والتنافسية ضمن رؤية السعودية 2030. وقد تم إطلاق عدة مبادرات ومشروعات استراتيجية تهدف إلى تطوير هذا المجال الحيوي، والذي تكمن أهميته في الكثير من القطاعات مثل؛ تغير قواعد التشفير والأمن السيبراني، تسريع تطوير الأدوية والمواد بفضل قدرتها على محاكاة الجزيئات على المستوى الذري وتستخدم في تسريع تصميم أدوية جديدة واكتشاف مواد متقدمة، كما تساعد في تحسين الذكاء الاصطناعي حيث ترفع الحوسبة الكمية من أداء خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي خصوصا في تحليل البيانات الكبيرة والتعرف على الأنماط، وتحسين النماذج الاقتصادية والمالية حيث تستخدم في تحليل الأسواق المالية المعقدة، وتقديم نماذج تنبؤية دقيقة، مما يفتح مجالات جديدة في الاقتصاد والتحليل المالي. وقد تستخدم في حل مشكلات النقل واللوجستيات المعقدة مثل تحسين حركة المرور في المدن، أو إدارة سلاسل التوريد من خلال نماذج حسابية كمية أسرع وأكثر دقة. ثورة تقنية في قلب التحول الرقمي وفي هذا السياق يشير إبراهيم أحمد بوحيمد خبير في التقنية والأمن السيبراني ونائب الرئيس التنفيذي لشركة الكم، إلى أن الحوسبة الكمومية هي نمط جديد كليًا من الحوسبة يعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، حيث تستغل ظواهر التراكب الكمومي والتشابك الكمومي لمعالجة البيانات بطريقة تختلف جذريًا عن الحوسبة التقليدية، في الحواسيب الكلاسيكية تُخزَّن المعلومات بوحدات تُسمى بتات (bits) وتأخذ قيمة إما 0 أو 1 فقط، بينما في الحوسبة الكمومية تكون الوحدة الأساسية للمعلومات هي البت الكمومي أو ما يُعرف بال«كيوبت» ، ويتميز الكيوبت بقدرته على التواجد في حالة تراكب، أي أن يكون 0 و1 معًا في نفس الوقت قبل القياس النهائي، هذا التراكب يعني أن قيمة الكيوبت غير محددة بشكل نهائي إلى أن يتم قياسها؛ ونتيجةً لهذه الخاصية تستطيع الحواسيب الكمومية إجراء عمليات حسابية عديدة بشكل متوازٍ في آنٍ واحد، مما يمنحها قوة معالجة هائلة تتفوق على الحواسيب التقليدية. وبالرغم أن الحوسبة الكمومية ما زالت في مراحلها المبكرة، إلا أن التجارب المخبرية أثبتت قدرة الكيوبتات على حل مسائل رياضية وفيزيائية معقدة بفعالية عالية بفضل قابلية التوازي الهائلة الناتجة عن التراك). في المجمل، يمكن القول إن الحوسبة الكمومية لا تلغي الحوسبة التقليدية، بل تقدم نهجًا مختلفًا تمامًا لمعالجة فئات معينة من المشكلات المستعصية، مما يبشّر بعصر جديد من القدرة الحاسوبية. كما يؤكد إبراهيم بأن المملكة العربية السعودية شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة اهتمامًا متصاعدًا بتقنيات الحوسبة الكمومية، تجسّد في مبادرات حكومية واستثمارات وشراكات استراتيجية تهدف إلى مواكبة هذا السباق العلمي العالمي. فعلى المستوى الرسمي، جرى إدراج التقنيات المتقدمة -ومنها الحوسبة الكمومية- ضمن مستهدفات رؤية 2030 للتحول الرقمي وتنويع الاقتصاد. وقد أنشأ مركز الثورة الصناعية الرابعة (C4IR Saudi) برنامجًا خاصًا ل"اقتصاد الكم" لوضع استراتيجية وطنية وبناء الزخم نحو تبني التقنية، وأسفر هذا الجهد عن تقرير وطني شامل بعنوان «مشهد اقتصاد الكم في السعودية» أعدّ بالتعاون بين جهات حكومية وأكاديمية وقطاع خاص، مما يعكس نهجًا تكامليًا تتبناه المملكة لتطوير منظومة كمومية متكاملة محليًا. خلق روابط مع روّاد التقنية لبناء قدرات محلية وعلى صعيد الاستثمارات، برزت شركة أرامكو السعودية كإحدى الجهات الرائدة التي دخلت مبكرًا هذا المجال. ففي مايو 2024 أعلنت أرامكو عن شراكة مع شركة فرنسية ناشئة لإنشاء أول حاسوب كمومي في المملكة بطاقة 200 كيوبت، ومن المقرر تشغيله في النصف الثاني من عام 2025، يُعدّ هذا الحاسوب الأول من نوعه في المنطقة، ويهدف لتعزيز الابتكار الرقمي في قطاع الطاقة السعودي، وقد علّق الرئيس التنفيذي للشركة الفرنسية بأن هذه الشراكة ستضع السعودية في طليعة تبني التقنية تجاريًا. وإلى جانب ذلك، وقّعت أرامكو مذكرة تفاهم مع شركة اخرى لإنشاء مركز ابتكار يبحث تطبيقات الحوسبة الكمومية في قطاع الطاقة وغيره، بما يفتح المجال لإيجاد حلول كمومية لتحديات صناعية حقيقية. كما اتجهت نيوم (NEOM)، المدينة المستقبلية، للشراكة مع شركة بريطانية لتطوير منصة أمن سيبراني تعتمد على التشفير الكمومي بهدف حماية المدن الإدراكية المستقبلية من الهجمات الإلكترونية المتقدمة. هذه الشراكات الدولية تؤكد حرص المملكة على الاستفادة من الخبرات العالمية وخلق روابط مع روّاد التقنية بهدف نقل المعرفة وبناء قدرات محلية. وعلى مستوى الشركات الناشئة المحلية، شهدت المملكة تأسيس شركة "الكم ALQAM" والتي تُعد أول شركة سعودية متخصصة في الحوسبة الكمومية. تهدف "الكم" إلى تطوير الخبرات الوطنية في هذا المجال واستكشاف تطبيقات عملية للتقنية في القطاعات المختلفة داخل المملكة. ظهور "الكم" على الساحة يؤكد اهتمام رواد الأعمال السعوديين بهذه التقنية الواعدة، ودورها يكمل جهود الحكومة في بناء منظومة اقتصادية تعتمد على الابتكار العلمي. وإضافة لذلك، أُطلِقت عدة فعاليات لنشر الوعي وبناء مجتمع مهتم بالكم في المملكة، من بينها استضافة يوم الكم العالمي لعامين متتاليين في مقر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض. وشهدت هذه الفعاليات تجمع عشرات الخبراء العالميين والمحليين لمناقشة استراتيجيات تطوير التقنية وتطبيقاتها الواقعية وكيفية ردم الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والصناعية. وقد كرّمت المملكة في أبريل 2025 عشرة شركات ناشئة عالمية فائزة بهذا التحدي كخطوة لتعزيز حضورها في مجتمع الابتكار الكمومي العالمي. أيضا فعالية يوم الكم العالمي اللتي قامت بتنظيمها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع جمعية تقنية الكم. هذه الجهود المتضافرة توّجت بإعلان طموح على المستوى الوطني: إذ حدّدت هيئة الأبحاث والتطوير والابتكار (RDIA) السعودية تقنية الحوسبة الكمومية كأحد "أهداف التحدي الوطني" أو ما يُسمى ب moonshot للمملكة، مع هدف استراتيجي يتمثل في تطوير حاسوب كمومي سعودي قابل للتوسع وخالٍ من الأخطاء بحلول عام 2045. هذا الهدف البعيد المدى يُبرز جدية السعودية في دخول السباق العالمي للتقنية المتقدمة بعزيمة وإصرار، رغم إدراكها أن الطريق ما زال طويلاً قبل جني ثمار هذه التكنولوجيا بشكل عملي. وبشكل عام، يمكن القول إن المملكة انتقلت خلال ثلاث سنوات من مرحلة استكشاف الحوسبة الكمومية إلى مرحلة الاستثمار الفعلي وبناء الشراكات ووضع الاستراتيجيات، سعيًا لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لريادة التقنية وركيزة للتحول الرقمي في الشرق الأوسط. تطبيقات واعدة وتأثيرات في القطاعات الحيوية تفتح الحوسبة الكمومية آفاقا واسعة من التطبيقات التي قد تُحدث أثرًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا عميقًا عند نضجها. وفي ذات السياق يقول بوحيمد؛ تطبيقات واعدة وتأثيرات محتملة في القطاعات الحيوية تفتح الحوسبة الكمومية آفاقًا واسعة من التطبيقات التي قد تُحدث أثرًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا عميقًا عند نضجها. ويرى الخبراء أن هذه التقنية ستطال قطاعات متعددة بطرق مختلفة، ومن أبرزها في المملكة: الطاقة، والأمن السيبراني، والاتصالات، والصحة، والخدمات المالية. في قطاع الطاقة على سبيل المثال، يمكن للحواسيب الكمومية تحسين دقة تنبؤات الأحمال الكهربائية والطقس التي تؤثر على إنتاج الطاقة المتجددة، هذا يعني شبكة كهرباء أكثر كفاءة واعتمادية، وهو أمر حيوي مع التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح في المملكة. كما أن قدرة الكم على محاكاة الجزيئات تتيح ابتكار مواد جديدة، كتحسين المحفزات الكيميائية لعمليات تكرير النفط والبتروكيميائيات أو تطوير بطاريات ذات سعة أعلى تدعم توجه السعودية للطاقة النظيفة، أما في الأمن السيبراني، فهناك جانب إيجابي وآخر سلبي: إيجابي يتمثل في ظهور تشفير كمومي غير قابل للاختراق باستخدام مفاتيح مبنية على الفوتونات المتشابكة، مما يضمن سرية الاتصالات الحكومية والمالية الحساسة؛ وسلبي يتمثل في أن الحواسيب الكمومية نفسها قادرة في المستقبل على كسر أنظمة التشفير التقليدية المستخدمة حاليًا خلال "ثوانٍ معدودة"، لذلك تسابق الدول -بما فيها السعودية- الزمن لتبنّي خوارزميات تشفير جديدة مقاومة لقدرات الكم قبل أن يصل الآخرون إلى تلك المرحلة. وعلى مستوى الصحة، سيكون لقدرة الحواسيب الكمومية على معالجة بيانات ضخمة ومحاكاة الجزيئات أثر هائل في اكتشاف الأدوية وفهم الأمراض الوراثية، إذ قد يتمكن الباحثون من اختبار آلاف التركيبات الدوائية على نموذج كمومي لجسم الإنسان خلال فترة وجيزة بدلًا من سنوات من التجارب التقليدية. وأخيرًا في الخدمات المالية، ستساعد خوارزميات الكم على حل مسائل معقدة مثل تحسين المحافظ الاستثمارية أو كشف الأنماط الخفية في الأسواق المالية بسرعة تفوق الحواسيب الحالية، مما يعطي المؤسسات المالية أدوات أقوى لإدارة المخاطر والاستثمارات. وتشير دراسات إلى أن القطاعات المالية والكيميائية وقطاعات الحياة (مثل الرعاية الصحية) قد تحقق مكاسب قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار عالميًا بحلول 2035 بفضل اعتماد حلول الحوسبة الكمومية، مما يوضح الحجم الضخم للتأثير الاقتصادي المتوقع لهذه التقنية. بطبيعة الحال، هذه التأثيرات ما زالت احتمالية وتعتمد على نضج التكنولوجيا خلال السنوات القادمة. لكن المملكة العربية السعودية تتابع عن كثب هذه التطورات لتوظيفها في تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تتوقع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وغيرها من الجامعات السعودية أن تسهم الحوسبة الكمومية في دعم أبحاث الكيمياء والطاقة لديها من خلال محاكاة تفاعلات معقدة بسرعة أكبر. كذلك تنظر الشركات السعودية الكبرى كأرامكو وسابك إلى التقنيات الكمومية كأداة محتملة لزيادة الكفاءة واستكشاف حلول مبتكرة لمشكلات فنية ظلت عصية لعقود. وبالمثل، قد تستفيد المستشفيات السعودية ومراكز الأبحاث الطبية من قدرات الكم في تحليل البيانات الصحية وتحسين خدمات التشخيص والعلاج. هذه الآفاق الواسعة تفسّر حرص المملكة على ألا تكون مجرد مستهلك للتقنية عند نضجها، بل إسهام فعّال في تطويرها وتطبيقها بما يخدم أهداف التنمية الوطنية. "صنع في السعودية، بحوسبة كمومية" ومن منظور نائب الرئيس التنفيذي لشركة "الكم" السعودية إبراهيم بوحيمد فإن المملكة تقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي. فإما أن نكون مستهلكين لتقنية الكم عندما تنضج مستقبلاً، وإما أن نكون مسهمين في صنعها منذ الآن. والمؤشرات تبعث على التفاؤل بأننا نسير في الطريق الصحيح نحو الخيار الثاني، فهناك دعم رسمي ملموس، وحماس شبابي ملموس لتعلم التقنيات الجديدة، وحراك بحثي وصناعي بدأ يتشكل حول موضوع الكم. ولا شك أن التحول الرقمي السعودي الذي يشمل مجالات كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين، سيكتسب بُعدًا أكثر عمقًا وشمولًا بدخول الحوسبة الكمومية إلى المشهد. على سبيل المثال، يمكن لمنصات الخدمات الحكومية الرقمية أن تصبح أكثر أمانًا واعتمادية باستخدام تشفير كمومي، ويمكن لمنشآت الطاقة الذكية في نيوم ومدينة ذا لاين أن تعمل بكفاءة أعلى بفضل خوارزميات كمومية لإدارة الموارد، ويمكن لمراكز البحث الطبي في المملكة أن تتعاون مع حواسيب كمومية سحابية لتسريع ابتكار العلاجات. هكذا نجد أن الكم لن يكون جزيرة معزولة، بل عامل تمكين (Enabler) يعزز الابتكارات الرقمية الأخرى ويضاعف أثرها. ولا يفوتنا البعد الاقتصادي والاجتماعي لهذا التحول الكمومي. فتوطين التقنيات المتقدمة يخلق فرصًا وظيفية نوعية لأبناء الوطن، ويحفّز العقول السعودية المهاجرة للعودة والمشاركة في هذه النهضة العلمية. كما أنه يرسّخ سيادة رقمية للمملكة عبر امتلاك نواصي التقنيات الحساسة بدلًا من الاعتماد الكامل على الخارج. فمن يمتلك القدرة على استغلال الحوسبة الكمومية ستكون لديه ميزة تنافسية هائلة في تأمين بياناته وبنيته التحتية أمام الآخرين. وفي عالم اليوم الذي نشهد فيه صراعات سيبرانية وحروبًا تكنولوجية بقدر ما نشهد حروبًا عسكرية، فإن الاستعداد مبكرًا بتقنيات الغد يشكل حصانة استراتيجية للوطن. في الختام، قد يكون من المناسب أن نستحضر مقولة خبير التقنيات ريتشارد فاينمان عندما تنبأ قبل أكثر من أربعين عامًا بظهور الحوسبة الكمومية إذ قال بما معناه: "الطبيعة ليست كلاسيكية، وإذا أردنا محاكاة الطبيعة فعلينا التفكير بطريقة كمومية" واليوم، وبعد مرور عقود على تلك الرؤية الثاقبة، أصبحت الحوسبة الكمومية واقعًا يأخذنا خطوة أقرب لفهم أعمق للطبيعة وتسخيرها لخدمة البشرية. المملكة العربية السعودية، عبر رؤيتها الطموحة وجهودها الحثيثة، تضع نفسها شريكًا في صياغة هذا المستقبل الكمومي، وها نحن نرى في الأفق القريب ملامح نهضة رقمية جديدة عنوانها "صُنع في السعودية، بحوسبة كمومية" نهضة ستنعكس آثارها إيجابًا على الاقتصاد والمجتمع، وتضمن للأجيال القادمة مكانة رائدة لوطنهم في مصاف الدول التقنية المتقدمة. الحوسبة الكمومية ليست مجرد تقنية أخرى، بل هي فصل جديد من فصول الثورة الصناعية الرابعة، والسعودية عازمة على أن تكون أحد كتّاب هذا الفصل. تطورات بخطى متسارعة ومن منظور آخر يعلق خميس شقرون رئيس العمليات في شركة الكم للحوسبة الكمية ومتخصص في الأمن السيبراني قائلاً؛ انه على المدى القريب (خمس سنوات تقريبًا)، يُتوقع أن تواصل الحوسبة الكمومية تطورها بخطى متسارعة ولكن تدريجية نحو الاستخدام العملي. يقدّر خبراء في شركة غوغل مثلًا أننا سنشهد حواسيب كمومية "ذات فائدة فعلية" في غضون 5 إلى 10 سنوات، أي أن الفترة القادمة ستكون مرحلة انتقالية يتحقق خلالها تفوق كمومي محدود في مهام متخصصة. وخلال هذه المرحلة، سيكون التكامل بين الحوسبة الكمومية والتقنيات الرقمية الأخرى هو العنوان الأبرز. فعلى سبيل المثال، يجري العمل على دمج الحواسيب الكمومية ضمن منصات الحوسبة السحابية الكبرى بحيث تصبح متاحة "كخدمة" للمستخدمين حول العالم. من ناحية أخرى، يتوقع المراقبون تزايد التكامل بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية. ففي السنوات الأخيرة ظهر مجال بحثي يُسمى "الذكاء الاصطناعي الكمومي" يدرس كيف يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تعمل بكفاءة أعلى على حاسوب كمومي، أو كيف يمكن للذكاء الاصطناعي نفسه أن يساعد في تطوير خوارزميات كمومية أفضل. على سبيل المثال، يمكن لذكاء اصطناعي يعمل على نظام كمومي أن يحلل أنماطًا معقدة في بيانات المناخ أو الجينوم لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التقليدي معالجتها في وقت معقول، كما أن تقنيات التعلم الآلي قد تستفيد من الكم في تدريب النماذج على نحو أسرع أو الوصول إلى دقة أعلى في بعض المهام التصنيفية، لكن يجدر التنويه أن هذه التكاملات ما زالت في طور الأبحاث، وقد يستغرق ترجمتها إلى تطبيقات عملية سنوات عديدة، ويؤكد خميس شقرون، أنه خلال الخمس سنوات القادمة أيضًا، سنرى زيادة في حجم وتعقيد المعالجات الكمومية عامًا بعد عام، تخطط شركات كبرى للوصول إلى حواسيب تتجاوز 1000 كيوبت خلال النصف الثاني من العقد الجاري، مصحوبة بتقدم في تقنيات تصحيح الخطأ الكمومي للتغلب على الضوضاء والتشويش. هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بسرعة. ومع كل قفزة تقنية جديدة، ستُفتح فرص تكامل أوسع مع البنية التحتية الرقمية التقليدية. وعلى صعيد المملكة العربية السعودية، يُتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة التركيز على بناء الخبرات البشرية والتجهيز للبنية التحتية أكثر من امتلاك حاسوب كمومي خارق. فمن المرجح استمرار إرسال بعثات طلابية وباحثين في تخصصات فيزياء الكم وعلوم الحاسب إلى جامعات عالمية مرموقة لاكتساب المعرفة والعودة بها، كما ستعمل الجامعات المحلية على إدماج مقررات الحوسبة الكمومية في مناهج الهندسة وعلوم الحاسب، كما فعلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بتقديم مساقات خاصة في الحوسبة الكمومية والاتصالات الكمومية، هذا بالإضافة إلى دورات تدريبية متخصصة وحاضنات تقنية ترعاها مؤسسات مثل أكاديمية طويق لتنمية مهارات الشباب في هذا المجال، وبالنسبة للتكامل مع التقنيات الأخرى، ستسعى الشركات السعودية لاختبار سيناريوهات تجمع بين الكم والذكاء الاصطناعي أو تحليل البيانات، ربما عبر مشروعات تجريبية صغيرة بالتعاون مع شركاء دوليين. على سبيل المثال، قد نرى مستقبلاً مشروعًا مشتركًا بين مستشفى سعودي وإحدى شركات التقنية لتجربة استخدام خوارزمية ذكاء اصطناعي كمومية في تشخيص حالات مرضية معقدة. أو شراكة بين مؤسسة مالية سعودية ومنصة سحابية عالمية لتجربة خدمة تحسين كمومي لمحفظة استثمارية، مثل هذه المشروعات ستمنح المملكة خبرة مبكرة في دمج الكم مع التطبيقات الواقعية، وتساعد في تحديد المجالات الأكثر جاهزية للاستفادة من هذه التقنية فور نضوجها. باختصار، السنوات الخمس القادمة ستكون مرحلة تأسيس وتمكين: تأسيس البنية التحتية المعرفية والبشرية اللازمة للحوسبة الكمومية في المملكة، وتمكين الباحثين والمهندسين المحليين من الوصول إلى التقنيات الكمومية العالمية والعمل معها عن قرب. وبهذه الطريقة، حين تصل الحوسبة الكمومية إلى مستويات أكثر استقرارًا وشيوعًا بعد عدة سنوات، ستكون السعودية مجهزةً للاستفادة منها فورًا في دعم التحول الرقمي ودفع عجلة الاقتصاد المعرفي. تجاوز تحديات المستقبل ويضيف شقرون في التحديات التقنية والاقتصادية والأمنية وسبل تجاوزها؛ على الرغم من الإمكانات الهائلة للحوسبة الكمومية، هناك جملة من التحديات التي تقف أمامنا قبل أن تصبح هذه التكنولوجيا جزءًا من حياتنا اليومية. يمكن تصنيف هذه التحديات إلى تقنية واقتصادية وأمنية. ورغم صعوبة هذه التحديات، يعمل الباحثون وصناع القرار على إيجاد حلول وتصورات لتجاوزها في المستقبل المنظور دون تبني لهجة الأمر أو التقليل من شأن العقبات. إضافة إلى ما سبق، هناك تحديات تتعلق ببناء الثقة والفهم العام لهذه التقنية. الحوسبة الكمومية بطبيعتها معقدة ومجرد شرح مبادئها لعامة الناس أو حتى لصناع القرار غير المتخصصين أمر ليس باليسير. وقد قال عالم الفيزياء الشهير ريتشارد فاينمان ممازحًا: "إن كنت تعتقد أنك تفهم ميكانيكا الكم، فأنت في الحقيقة لا تفهمها". إبراهيم بوحيمد خميس شقرون