يمكن للمملكة تحويل تحديات أزمة الرسوم الجمركية التي فرضتها أمريكا على العالم إلى فرص اقتصادية وتجارية تحقق من خلالها أهداف رؤية المملكة 2030م الاقتصادية، ولو تأملنا قليلاً في المشهد الاقتصادي العالمي العام نجد أن المملكة أمام فرصة إستراتيجية كبيرة لتكون محطة لوجستية عالمية ومنطقة حرة لإعادة التصدير مع تصاعد الحرب التجارية عالمياً، وبشكل خاص بين أمريكا من جهة والصين وأوروبا من جهة أخرى، طالما أن الرسوم الأمريكية المفروضة على المملكة لا تتجاوز 10 %، وهي أقل بكثير من تلك المفروضة على كثير من دول العالم بخاصة الصين وأوروبا، خصوصاً أن المملكة قد حققت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 42.3 % خلال عام 2024م في البضائع المعاد تصديرها من المملكة لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 90.2 مليار ريال، وهذا بلا شك دليل لقدرتها على إعادة تصدير المنتجات. ويمكن تحقيق تلك الفرصة الإستراتيجية من خلال تعزيز الصادرات السعودية عبر ترويج المنتجات الوطنية، خاصة المعادن والبتروكيميائيات، والعمل على زيادة استقطاب الاستثمارات الأجنبية؛ فحرب الرسوم الأجنبية ستدفع بالكثير من الشركات العالمية للتفكير في إعادة انتشارها واختيار سلاسل توريد جديدة، ونتيجة للموقع المميز للمملكة وبيئتها الاقتصادية القوية تستطيع المملكة جذب الكثير من الشركات التجارية التي كانت تتخذ من الصين أو غيرها مركزاً لإنتاج بضائعها، ناهيك عن أن رؤية المملكة 2030م قائمة على تنويع الاقتصاد وتيسير الاستثمار، وهذا بحد ذاته يجعل من المملكة بيئة جاذبة للشركات العالمية، لذلك أتمنى الاستفادة في هذه المرحلة التي يتشكل فيها مناخ اقتصادي جديد، بأن يكون للمملكة دور محوري في هذا التغير الاقتصادي العالمي، والذي ستتغير معه ملامح القطاع الاقتصادي والتجاري العالمي من خلال تغيّر سلاسل الإمداد العالمية، والعمل على تهيئة مناطق لوجستية وموانئ تجارية لتعزيز التجارة العالمية، والترويج للمملكة بشكل أكبر بوصفها محوراً تجارياً بديلاً في ظل اضطرابات التجارة العالمية، مستغلة العلاقات القوية بينها وبين أمريكاوالصين بشكل خاص والدول الأخرى بشكل عام؛ عبر زيادة التبادل التجاري وتنويع الاستثمارات، وتعزيز التعاون مع أمريكا لتكون شريكاً قوياً في سلاسل التوريد خاصة في مجالات الطاقة والمعادن والبتروكيميائيات، والعمل على إنشاء مناطق تكنولوجية لجذب الشركات التقنية المتضررة من الرسوم الجمركية والتي قد تبحث عن أسواق جديدة، من خلال استيراد التكنولوجيا أو جذب الاستثمارات لإنشاء مراكز بحث وتطوير داخل المملكة، كما أتمنى العمل على استقطاب الشركات الأمريكية التي تستثمر في قطاع المعادن النادرة، فالمملكة تمتلك احتياطيات جيدة في هذا القطاع الحيوي . أخيراً، أعتقد أننا نستطيع توظيف هذه الحرب التجارية العالمية لمصلحتنا من خلال جذب وتوطين استثمارات لوجستية وصناعية، خصوصاً أن المملكة استثمرت مبالغ ضخمة في تهيئة مناطقها اللوجستية وموانئها البحرية والبرية ومطاراتها ومناطقها الحرة، وتجهيز البنية التحتية من طرق وسكك حديد كي تربطها ببعضها، وقدمت تسهيلات تنظيمية وضريبية كثيرة ووقعت اتفاقيات تجارية مع العديد من الدول تمنحها معاملة تفضيلية في الكثير من الأسواق العالمية، وأختم بالمثل الشهير "رُبّ ضارة نافعة".