شهدت الفترة الممتدة من عيد الفطر الماضي (1445ه - 2024م) إلى عيد الفطر الحالي (1446ه - 2025م) تحولات جذرية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، شملت المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مما أعاد تشكيل ملامح المنطقة بصورة غير مسبوقة. خلال هذا العام -أي ما بين العيدين- تراجع نفوذ عدد من اللاعبين الإقليميين البارزين، فيما برزت قوى جديدة، وسط تغيرات جوهرية في موازين القوى. ففي لبنان، شهدت ميليشيات حزب الله انهيارًا ملحوظًا في فعاليتها بعد مقتل زعيمها حسن نصر الله وعدد من كبار قادتها في عمليات استهداف دقيقة، مما أضعف قدراتها العسكرية والتنظيمية. هذا التراجع جاء نتيجة ضربات إسرائيلية مكثفة استهدفت البنية التحتية للحزب، إلى جانب انخفاض الدعم اللوجستي والمالي من إيران التي تواجه بدورها ضغوطًا داخلية وخارجية. وفي فلسطين، تقلّص دور حركة حماس بشكل كبير بعد تصفية قادتها البارزين، وذهاب أراوح أكثر من 50 ألف نفس بريئة ضحية للحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة. وفي سوريا، أنهى سقوط نظام بشار الأسد عقودًا من حكم عائلته، ليحل محله نظام جديد يتبنى توجهات معاكسة للنفوذ الإيراني والروسي. هذا التغيير أعقبه إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، حيث بدأت تركيا والدول العربية بإعادة تقييم مواقفها تجاه سوريا الجديدة. وفي اليمن، يواصل الحوثيون رفع شعاراتهم خارج الزمن رغم فقدانهم الدعم الإيراني الفعّال. اقتصاديًا، اتسعت الفجوة بين دول الخليج وباقي دول المنطقة، حيث واصلت المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط. بينما تعاني دول أخرى مثل لبنان والعراق من انهيار اقتصادي وتضخم متسارع. وفي تركيا، شهدت الانتخابات البلدية تحولًا تاريخيًا، حيث تفوق حزب الشعب الجمهوري على حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان لأول مرة منذ عقدين، مما يعكس تراجع شعبية الحزب الحاكم وسط أزمات اقتصادية داخلية. وفي سياق دبلوماسي بارز، استقبلت أنقرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في زيارة هي الأولى منذ 12 عامًا، إيذانًا بتطبيع العلاقات بين البلدين بعد سنوات من التوتر، مما قد يفتح الباب لتعاون اقتصادي وعسكري أوسع. أما في إفريقيا، فقد بدأت دول القارة مرحلة جديدة من التحرر من النفوذ الاستعماري التقليدي، لا سيما في غرب إفريقيا حيث طردت دول مثل مالي والنيجر القوات الفرنسية، موجهةً بوصلتها نحو شراكات مع روسيا والصين. وفي السودان، بدأت بوادر التعافي تظهر مع انخفاض حدة الصراع، بينما لا تزال الصومال ودول الساحل مثل تشاد وبوركينا فاسو تعاني من فوضى الجماعات المسلحة التي تستغل الفراغ الأمني. ورغم ذلك، تبقى الفرص قائمة وسط هذه التحديات، فالمنطقة، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، تظل مركزًا حيويًا للتجارة العالمية، كما أن ثرواتها من النفط والغاز توفر إمكانيات هائلة للاستثمار، لا سيما في مشروعات الطاقة المتجددة. وخلاصة القول، إن الشرق يمر الأوسط والعالم الإسلامي بمرحلة إعادة تشكيل عميقة قد تمتد لسنوات، حيث تتداخل التحديات السياسية والأمنية مع الفرص الاقتصادية. ومع استمرار هذه التحولات، ستظلّ المنطقة محط أنظار العالم، بين آمال التغيير الإيجابي ومخاطر الانزلاق نحو مزيد من الفوضى. مسارات.. قال ومضى: ركّبت النملة الحمقاء جناحين لتطير مع الصقور فلما هبّت أول عاصفة لم يعد يراها أحد.