العيد فرصة ومعنى..!

إن العيد تجديد في المشاعر الحانية، وتغيير في الأحاسيس الجامدة إلى متحركة وحارة.. فلتكن أيامنا أعياداً كلها بالمعنى الحقيقي، ولنستدرك ما فاتنا فنصل ما قطع بيننا، ونواجه كل جفاء وعقوق بكل أدوات الخير، لنكون بعد العيد أطهرَ وأنبلَ، وليكون الإنسان بيننا عضواً صالحاً في المجتمع..
حين يتعطل الوعي، يتحرك الجهل فتتراكم الظنون المركبة بمفاهيم قاصرة.. هناك من قد تجمّد فهمه حول صُور ومظهر العبادات، ولا يتعمّق في بعض حِكمها، ومقاصدها، فعنده الصلاة حركات، والصيام امتناع، والحج أفعال، والعيد يوم عابر.
وأحياناً فرصة للنوم.. ذلك تأكيد أن المفهوم البشري يتسطح فلا تدرك الأسرار لأن كل العبادات عند أولئك سوف تتجرد من حكمتها وعلاقتها بالسلوك والتفاعل مع الآخرين فقط.
العيد حالة اجتماعية ونفسية متناهية في المعنى والغاية، ولا شك في أن العيد من العبادات والمناسبات الإسلامية المليئة بالخير والتي زانت بمحتواها النقي ومقصدها الأسمى، وكل مسلم يستشعر حقيقة العيد، فهو يُجدّد ارتباطه بالله قبل كل شيء ثم يعم التواصل والترابط بين الأهل والأصدقاء، فلا قطيعة رحم، ولا هجر، وفيه مساحة شاسعة من العفو والتسامح، وفيه آفاق واسعة للتقارب وتطوّر العلاقات.
إن حال العيد يجب ألا تكون مجرد لبس جديد، ولا أن تكون مناسبة لإقامة ولائم باذخة، وعزائم فخمة، ومشتريات غالية، واتساع في اللهو والاحتفال، وتسابق في التكلف والتبذير، فيتحوّل العيد بذلك إلى ما لا يقبل شرعاً ولا إنسانياً.
العيد فرصة نعبّر فيها عن سرورنا بالتحايا والكلمات والابتسامات، ونلتفت إلى إخواننا الفقراء، والضعفاء، والعاجزين ليفرحوا مثل غيرهم.. العيد محطة للجميع كي يجدّدوا المحبة بينهم بالمصافحة والمعانقة، وتنقية القلوب من الرواسب والأحمال..
كانت هناك عبارة رائعة رويت عن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان يقول: كل يوم لا أعصي فيه الله فهو عيد. المسلك الصحيح في العيد أن نجمع بين اللائق من لباس الأجسام والسليم من لباس القلوب..
إن العيد تجديد في المشاعر الحانية، وتغيير في الأحاسيس الجامدة إلى متحركة وحارة.. فلتكن أيامنا أعياداً كلها بالمعنى الحقيقي، ولنستدرك ما فاتنا فنصل ما قطع بيننا، ونواجه كل جفاء وعقوق بكل أدوات الخير، لنكون بعد العيد أطهرَ وأنبلَ، وليكون الإنسان بيننا عضواً صالحاً في المجتمع، ولا يحرم لذائذ العيد بلذة جهله بنفسه وتحلله من مقاصد الخير والدين حينها لن يجد لكل مناسبة دينية طعماً ولن يبصر لكل ذلك له نوراً، ولن يفرح كما يفرح المؤمنون.
كم واحداً بيننا يبحث دوماً عن فرصة لتصحيح بعض مساراته، أو لتقويم بعض اعوجاجه في علاقاته ِمع الآخرين، وكم واحداً ينتظر حظاً من الزمن ونصيباً من الوقت ليسعفه في تعديل كل مائل في تعاملاته مع الغير، وكم واحداً يترقب وقتاً ما قادماً لكي يغيّر من سيئ صفاته إلى أحسن القول والفعل.. هكذا هو العيد فهو الفرصة وهو الحظ لفعل كل بر. إن يتشرب ويتفكر حقيقة في مفهوم العيد يجده عالماً مختلفاً من العطاء، ومجالاً للسخاء، وأجواء لبرودة كل ساخن من البغضاء والشحناء.. إن مراجعة الذات مطلوبة في كل وقت ولكنها -في ظني- يكون العيد لها مناخاً ملائماً.. لماذا؟ لأن هناك شعوراً وإحساساً مضيئاً لا نعرف مصدره إلا أنه راحة، واطمئنان بنعمة وفضل الله.. كل ذلك نشعر به داخل ذواتنا المتفكّرة والمتأملة وليس ذلك للمشتتين والمستهلكين أذهانهم في خواطر خيالية، وأفكار هوائية بعيدة، تصل بهم نحو مجرات الضلال.
ويبقى القول: جميلٌ أن يكون الزمان واحة للقيا الأحباب وتكون كل الأماكن طاربة بالاجتماع، هكذا العيد وروحه المطمئنة بطاعة الله أولاً ثم بالفرح بكل حبيب وقريب.. هو موسم قصير في سرور طويل ومشاعر كبيرة تتآلف فيما بينها دون حساب ودون تعقيد ودون غياب، ودون عتاب.. كل عام وعيدنا وئام ومن المقبولين.