رؤية تُلهم وثقافة تُبنى في مثل هذا الوقت من عام 2017، بايع السعوديين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وليًا للعهد، متطلعين إلى عهد جديد من التحول الشامل، الذي لم يكن الحُلم فيه محصورًا في التنمية الاقتصادية أو الإصلاح الإداري، بل امتد ليشمل جوهر الهوية، وأساس بناء الإنسان: الثقافة. فخلال ثماني سنوات فقط، تحولت الثقافة السعودية من مشهد محدود النشاط إلى مشروع وطني واسع الأفق، يربط الحاضر بالجذور، ويفتح الأبواب نحو العالم، ويجعل من الإبداع ركيزة لبناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، كما أرادتها رؤية 2030. كانت نقطة التحول الأبرز في المسار الثقافي السعودي هي تأسيس وزارة الثقافة عام 2018، خطوة لم تكن إدارية وحسب، بقدر ما كانت فكرية واستراتيجية. فالوزارة لم تُبنَ لمجرد تنظيم الفعاليات أو الإشراف على المؤسسات القائمة، بل لقيادة مشروع وطني شامل يعيد صياغة مفهوم الثقافة، ويدمجها في نسيج الحياة اليومية للمواطن. تبع هذه الخطوة تأسيس «11» هيئة ثقافية متخصصة، من بينها: هيئة الأدب والنشر والترجمة، هيئة المسرح والفنون الأدائية، هيئة الموسيقى، هيئة الأفلام، هيئة التراث، هيئة المتاحف، هيئة فنون العمارة والتصميم، هيئة الفنون البصرية، هيئة فنون الطهي. كذلك إنشاء جمعيات مختصة لكافة الفنون الثقافية والأدبية.. فكل هيئة تملك خططًا استراتيجية واضحة، وميزانيات مخصصة، وبرامج تأهيلية، ومنصات دعم للمبدعين والممارسين الثقافيين، بما يضمن التحول من الفعل الفردي إلى الفعل المؤسسي المستدام. لم يكن الحفاظ على التراث في ظل رؤية ولي العهد مقصورًا على الصيانة والتوثيق، بل جاء ضمن مفهوم التجديد الحي، حيث بات التراث يُقرأ، ويُعرض، ويُعاد تقديمه للجمهور بوسائل معاصرة. من أبرز المشروعات في هذا الجانب: مشروع «إحياء التراث الثقافي غير المادي»، لتوثيق الحكايات الشعبية والمرويات الشفهية والأهازيج، مشروع تسجيل المواقع السعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل: جدة التاريخية، وواحة الأحساء، وحمى الثقافية، والعلا، والطريف بالدرعية، وإطلاق المعارض المتخصصة في الخط العربي، والزخرفة الإسلامية، والمخطوطات، التي تمثل العمق الحضاري للمملكة. وأحدثت الفعاليات الكبرى التي أطلقتها المملكة خلال السنوات الماضية نقلة نوعية في المشهد الثقافي والاجتماعي. من أبرزها موسم الرياض الذي تشرف وتقوم عليه الهيئة العامة للترفيه، ومهرجانات عالمية تجمع الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية والأدب وصناعة الترفيه. وموسم الدرعية، ذو التجربة الثقافية الحية التي تعيد تقديم التاريخ السعودي بأسلوب معاصر. والمنصة الفريدة في موسم العلا، والذي يدمج بين الفنون والطبيعة والعمق التاريخي لصحراء الحِجر. أما معرض الرياض الدولي للكتاب، فبات أحد أكبر معارض الكتب في المنطقة بمشاركة عشرات الدول والناشرين والكتّاب. هذه المواسم لم تكن مجرد مناسبات، بل إعادة صياغة لثقافة الجمهور، وإعادة تعريف للعلاقة بين المواطن والفن والإبداع. تحت قيادة سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، شهدت المرأة السعودية نهضة ثقافية غير مسبوقة، حيث أصبحت كاتبة، ومخرجة، وعازفة، وناقدة، ومهندسة معمارية، وقيادية في المؤسسات الثقافية. من بينها مشاركة المرأة في الفرق الموسيقية الوطنية، مثل الأوركسترا السعودية، وإنتاجها لأفلام فازت بجوائز إقليمية ودولية، ومشاركتها في معارض تشكيلية داخل المملكة وخارجها، وقيادتها لبرامج ومبادرات ثقافية، سواء عبر الهيئات أو المؤسسات غير الربحية. في عهد ولي العهد، باتت اللغة العربية مشروعًا وطنيًا يتم حمايته وتعزيزه عبر: مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومبادرات دعم المحتوى العربي الرقمي، وتطوير مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتشجيع الترجمة عبر مبادرات مثل «ترجم»، التي تسعى لترجمة الأدب والفكر العالمي إلى العربية والعكس. هذا واستطاعت المملكة أن تُحوّل الثقافة من مجال معرفي محض إلى قطاع استثماري فعّال، من خلال: دعم الصناعات الثقافية والإبداعية، وإنشاء صندوق التنمية الثقافي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإطلاق مبادرات مثل برنامج الحاضنات الثقافية، وتوفير فرص عمل جديدة للمبدعين والمختصين، خاصة في مجالات النشر، والإنتاج السينمائي، وتصميم الألعاب، وصناعة الفنون. ومن أبرز ملامح النهضة الثقافية في عهد ولي العهد، هو انفتاح المملكة على العالم بوصفها مركزًا ثقافيًا عالميًا. فقد استضافت المملكة فعاليات كبرى، مثل: بينالي الدرعية للفن المعاصر، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومهرجان سواند ستورم، ومعرض بينالي الفن الإسلامي، والجوائز الثقافية الوطنية. كما أصبحت المملكة تشارك في المحافل العالمية بهوية ثقافية واضحة، تُعبّر عن نفسها لا بالنيابة عن أحد، بل بلغتها ورموزها وسرديتها الخاصة. في الذكرى الثامنة لمبايعة سمو ولي العهد، يتأمل السعوديون المسافة التي قطعوها ثقافيًا، والمسارات التي فُتحت أمامهم، والأبواب التي لم تعد موصدة أمام المبدع والكاتب والفنان. نهضة ثقافية شاملة لم تُبْنَ على ردّ الفعل، بل على الرؤية والتخطيط والاستثمار في الإنسان. هي ثقافة تُبنى اليوم من الأحياء القديمة، ومن المهرجانات العالمية، ومن دور النشر، ومن الأغنية، ومن الصورة، ومن المسرح، ومن جُمل الكتب، ومن حوار الحضارات. في ظل قيادة ورؤية سموه، والتي بات الوعي الثقافي السعودي مشروعًا مستدامًا، لا يعكس فقط ما كنا عليه، بل يُعبّر عن تطلعاتنا لما نريد أن نكون عليه. موسم الرياض علامة بارزة على المستوى العالمي الزي السعودي الأصيل علامة بارزة في العروض على المسرح كأس العالم للألعاب الإلكترونية محط أنظار الجمهور في العالم الموسيقى العالمية شاركت بفعالية مع الموسيقى السعودية الانطلاقة من العمق الثقافي في الموروث الفن من أعماق التاريخ الوجهة الأولى