نتحدث هنا عن بقية المهاجرين من مختلف القبائل والبلدان مثل اليمن والطائف وغيرهم العديد، ولإعطاء إحصاء تقريبي عن عدد عامة المهاجرين في المدينة، نقيس أعداد المحاربين المذكورة في الحروب الإسلامية، نجد أن الزيادة في أول الأمر بطيئة، بدءًا من غزوة بدر الذي بلغ عدد الرجال ثلاث مئة وأربعة عشر رجلًا، وفي غزوة أحد كانوا حوالي سبع مئة رجل، ويزداد عدد الرجال على نحو ظاهر منذ غزوة الخندق الذي بلغ عدد المسلمين المقاتلين فيها حوالي ثلاثة آلاف رجل، كما حضر يوم فتح خيبر مع الرسول صلى الله عليه وسلم أقل من ألفي رجل، وبلغ عددهم يوم الفتح أواخر سنة ثمانية حوالي عشرة آلاف شخص من أهل المدينة، وبلغ عددهم يوم الطائف حوالي اثني عشر ألفا، منهم ألفان من مكة. ظل المهاجرون يأتون للمدينة لمكانتها الدينية العريقة الاستراتيجية، حتى أصبح من المتعذر للرسول صلى الله عليه وسلم التعرف على الكثير من الصحابة، فرأى صلى الله عليه وسلم ضرورة تنظيم هذه الهجرات العشوائية لكيلا تفقد المدينة قدرتها على استيعاب قاطنيها وتوفير ضروريات المعيشة لهم، ومنذ السنة الخامسة للهجرة، أمر صلى الله عليه وسلم برجوع بعض القبائل المهاجرة إلى ديارهم بعد أن يبقوا في ضيافته، ويتعلموا ما تيسر من التعاليم الدينية والقرآن الكريم، وكان صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم يدعو بنزول الغيث على ديارهم. كما حرم صلى الله عليه وسلم مساحة محدودة من المدينة لا تقطع شجرها، ولا يعبث بها، وطلب من كان لديه غنم أن يُبعد بها عن المدينة؛ نظرًا لكونها أقل أرض الله مطرا، أسهمت هذه التشريعات بالحفاظ على ثروة المدينة الزراعية والحيوانية. وللمهاجرين أعمال عظيمة وإسهامات رائدة في الطب، خصوصًا في خضم الغزوات، كما والذين لازموا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قاموا بدور مفيد على المجتمع المدني في نقلهم لروايات دقيقة عن الرسول، غفل بعض الروائيين عن ذكر تفاصيلها، على الرغم من أهمية هذه التفاصيل للسلوكيات العامة، ومن ذلك ما ذكرته بنت مشرح الأشعري، أن أباها مشرحا قص أظفاره، فجمعها ثم دفنها وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صدق الإيمان أعظم دافع لهم للاستمرار. كِتاب: مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلف: د. عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس كِتاب: مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلف: د. عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس