بما لم يدر بخلد الإمام محمد بن سعود وهو يتولى حكم الدرعية خلفًا لوالده ويتخذها عاصمة للدولة السعودية الأولى في جمادى الثانية عام 1139ه فبراير 1727م مؤسسًا للدولة السعودية أنها ستكون اللبنة الأولى في تأسيس كيان كبير وعظيم هو المملكة العربية السعودية، فقد وحد شطريها -وأعني الدرعية- بعد انقسام ونقلها من الضعف إلى القوة وحافظ على استقلالها السياسي وعدم الولاء لأي قوى خارجية في الوقت الذي كانت فيه بعض بلدان نجد تدين بالولاء لبعض الزعامات الإقليمية، مستفيدًا من خبرته الإدارية التي اكتسبها من عمله مع والده وجده أثناء توليهم الإمارة ومستثمرًا ولادته ونشأته فيها للتعرف على أوضاعها والمنطقة المحيطة بها لتحقيق رؤيته وطموحاته حيث تمكن بما يملكه من قدرات وبعد نظر أن يحتوي زعامات البلدات الأخرى وجعلهم يعلنون الانضمام لدولته ومن ثم بنى سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية القادمة لعاصمته من شرق الجزيرة العربية. يوم التأسيس ليس مناسبة وطنية فقط للاحتفاء بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- قبل ثلاثة قرون بقدر ما هو استذكار لعمق تاريخي وحضاري يعود إلى ما يقارب ستة قرون عندما أسس مانع المريدي الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- مدينة الدرعية عام 850ه / 1446م واحتفاء بإرث ثقافي واجتماعي متنوع ووفاء لكل من قام بدور في تأسيس هذا الوطن وخدمته أو أسهم فيه، وهو أيضًا تأكيد على أن تأسيس هذه الدولة بدأ من تأسيس محمد بن سعود بن مقرن الدولة السعودية الأولى حيث تغير شكل الحكم من المدينة إلى الدولة الواسعة فتم اختيار يوم الثاني والعشرين من فبراير يومًا نحتفي به كل عام لتأسيس المملكة العربية السعودية حيث قامت منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا على ثوابت لاتتغير بتغير الزمن وتقلباته مع أخذها في ذات الوقت بالتجديد والتطور وفق أساليب العصر ومتطلبات المرحلة دون إخلال أو تأثير في تلك الثوابت، كما أكد على ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بقوله: (نعتز بذكرى تأسيس دولتنا المباركة قبل ثلاثة قرون على الأمن والعدل والعقيدة الخالصة، ولازال نهجها راسخاً منذ ذلك الحين، في وطن يتقدم إلى الريادة في مختلف المجالات). هذه الثوابت بعد الله سبحانه وتعالى هي ما فرضت ديمومة هذه الدولة واستمرارها رغم تعثرها مرتين لكنها كانت تعود على يد أحد أبنائها في زمن قياسي لا يتجاوز عقدًا من الزمان نتيجة تمسكها بها ولوضوح رؤيتها وهو ما جعل المجتمع أكثر حرصًا على عودتها وتقبلها والولاء لها إدراكًا منه بأهليتها وقناعته بمنهجها وثقته في قياداتها وتوجهاتهم وهو ما نلمسه ونعايشه على أرض الواقع في هذا العصر مع الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- وسار على نهجه أبناؤه البررة من بعده كل وفق ظروف المرحلة ومتطلباتها حتى إذا ما وصلنا إلى عهد سلمان بن عبدالعزيز سلمان الحزم والعزم -مدّ الله في عمره- وجدنا أنفسنا والمجتمعُ من حولنا داخليًا وخارجيًا أمام عصر جديد في إدارة الدولة وتنظيم الحكم ما يمكن تصنيفه ب(الدولة السعودية الرابعة) مستمدًا ذلك من أمرين: *الأول: قربه من المجتمع وإدراكه لاهتماماتهم من خلال إمارته لمنطقة الرياض ما يزيد على نصف قرن. *الثاني: قربه من إدارة الحكم والمشاركة في صناعة القرار. ومن هنا جاء اختياره للأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد مواكبًا لهذه المرحلة ومحققًا لمتطلباتها مما يؤكد بعد نظره حفظه الله وقراءته للأحداث. جاء محمد بن سلمان وجاء برؤية 2030 لم تكن رؤية محلية فقط لتنويع مصادر الدخل وتوفير بنية تحتية وتمكين جيل جديد من إدارة دولة تواكب العصر ومتطلباته لكنها تجاوزت ذلك إلى رؤية عالمية نقلت المملكة إلى مصاف الدول العظمى فأصبحت رقمًا مهماً في دول العشرين ولم تعد تلك التي تنشد ود الدول الكبرى بقدر ما أصبحت مقصدًا لها تخطب ودها وتبحث عن حلول لكثير من مشكلات العالم وتطفئ بها لهب المناطق الساخنة. رؤية محمد بن سلمان امتداد لرؤية المؤسس محمد بن سعود. كلتا الرؤيتين آتت أكلها وحافظت على استقلالها السياسي. وإذا كان الإمام محمد بن سعود استطاع أن يحتوي زعامات (البلدات) القريبة، فإن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان احتوت زعماء (العالم) الأكبر. وإذا كانت رؤية المؤسس محمد بن سعود بنت سورًا على عاصمة ملكه الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية، فإن رؤية محمد بن سلمان بنت هي الأخرى سورًا لحماية عاصمة المملكة الرياض. الفرق أن سور المؤسس حسي ومادي بينما سور رؤية 2030 كان معنويًا حفظها أمنيًا وصانها اقتصاديًا وجعلها عاصمة للقرار السياسي إلى جانب الاقتصادي وغيرهما من الجوانب. والله من وراء القصد. عبدالله الضويحي