بلغ الذهب المزيد من القمم التاريخية في إغلاق تداولات الأسبوع الماضي، مع تجاوزه لمستوى 2954 دولاراً في المعاملات الفورية. تأتي مكاسب الذهب المتتالية بعد المزيد من فصول التصعيد للحرب التجارية بعد إعلان دونالد ترمب عن تعرفات جمركية موسعة وهي ما تساهم في تغذية حالة عدم اليقين تجاه مسار الاقتصاد الأمريكي والعالمي، بحسب كبير محللي أسواق المال لدى إكس اس دوت كوم، سامر حسن. كما أن نهج ترمب تجاه الحرب في أوكرانيا قد يساهم في تعزيز المخاوف الجيوسياسي بعكس التفاؤل الذي قد يبدو ظاهراً مع الجهود لوقف الصراع. وصرح دونالد ترمب عن أنه يخطط لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 % على الواردات من السيارات وأشباه الموصلات والمنتجات الصيدلانية. هذه تضاف إلى التعرفات المفروضة سابقاً على الألومينيوم والصلب وتلك على البضائع الصينية. في حين أن عدم اليقين تجاه مستقبل اقتصادات الدول الأخرى جراء هذه الحرب والخطوات الانتقامية التي قد تتخذها ضد المصالح والشركات الأمريكية هي من أهم العوامل الصعودية للطلب على الذهب. هذا الطلب على الملاذ الآمن يعطيه القدرة على مواجه المخاطر الصعودية للتضخم من جراء هذه الحرب التجارية وما سيتبعها من الآفاق المتشددة للسياسة النقدية. وأكد صناع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي مراراً على مخاوفهم بشأن دور الحرب التجارية في ارتفاع الأسعار وهذا ما يجعلهم أكثر حذراً بشأن اتخاذ قرارات خفض سعر الفائدة. هذا ما تأكد مجدداً في محضر الاجتماع الأخير للجنية الفيدرالية للسوق المفتوحة الذي نشر الأمس، إلا أن الذهب قد أكمل مكاسبه في النهاية. جانب آخر قد يساهم في تغذية عدم اليقين الجيوسياسي هو موقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الحرب ما بين روسياوأوكرانيا. فعلى الرغم من جهود مفاوضات السلام المتسارعة وغير المسبوقة منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثة أعوام. حيث يتخذ ترمب نهجاً أكثر تصالحياً تجاه روسيا بالتزامن مع اللهجة الصدامية ضد الرئيس الأوكراني وهذا ما شهدناه عبر المشادة الكلامية المتبادلة ما بين الرئيسين. هذا ما قد أثار قلق الخبراء تجاه التبعات على النظام العالمي القائم بعد انقلاب الموقف الأمريكي. حيث قال وزير الدفاع الأمريكي الأسبق تشاك هاجل بأن ما يحدث هو تحد حقيقي لأسس النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وفق ما نقلته وول ستريت جورنال. كما أن صفقة السلام بمثابة استسلام لأوكرانيا من شأنها أن تشكل ضربة للقوة الأمريكية وستمتد إلى المحيط الهادئ والشرق الأوسط. كما نقلت الواشنطن بوست عن مسؤولة سابقة في الاستخبارات الأمريكية أندريا كيندال تايلور بأن ترمب يريد التوصل للاتفاق فقط لكي يُقال إنه قد استطاع إنهاء الحرب دون الاكتراث بعواقب عودة روسيا للهجوم طالما أنه لن يحدث في عهده. عليه، فإن مسار السلام الحالي في أوكرانيا قد ينظر إليه على أنه مزيف ومؤقت ولا يقود إلى إنهاء حتمي للصراع – بل قد يشجع على توسيعه. أضف إلى ذلك، فإن قطع المساعدات الدولية المقدمة من الولاياتالمتحدة من شأنه أن تفسح المجال للقوة العظمة الأخرى، ومن أبرزها الصين، لسد الفراغ وهذا ما قد يشكل أيضاً تهديداً لنفوذ الولاياتالمتحدة بما قد يعظم بدوره احتمالية التصادم ما بين أقطاب العالم بنظامه الجديد. ورفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لسعر الذهب إلى 3100 دولار للأوقية بحلول نهاية عام 2025 من 2890 دولارًا للأوقية بسبب الطلب الأعلى هيكليًا من البنوك المركزية. ومع ذلك، إذا ظلت حالة عدم اليقين السياسي - بما في ذلك مخاوف التعريفات الجمركية – مرتفعة في الأشهر المقبلة، فإن ارتفاع المواقف المضاربية لفترة أطول قد يدفع أسعار الذهب إلى 3300 دولار للأوقية بحلول نهاية العام، كما أشار البنك. وقال البنك الاستثماري إن ارتفاع الطلب من البنوك المركزية سيضيف 9 % إلى أسعار الذهب بحلول نهاية عام 2025. وسيشمل المكسب أيضًا ارتفاع حيازات الصناديق المتداولة في البورصة، مع انخفاض أسعار الفائدة العالمية. من شأن هذا أن يساعد المعدن الأصفر على تحمل الطلب الضعيف على الملاذ الآمن، خاصة إذا تلاشت حالة عدم اليقين بشأن السياسات الأمريكية. وزادت العديد من البنوك المركزية العالمية، وخاصة تلك الموجودة في الأسواق الناشئة، من مشترياتها من الذهب على مدار العام الماضي بسبب تزايد حالة عدم اليقين بشأن السياسات الأمريكية وقوة الدولار. يُنظر إلى السبائك، التي بلغت ذروة قياسية عند 2942.70 دولارًا في 11 فبراير، على أنها تحوط تقليدي ضد ارتفاع التضخم وعدم اليقين الاقتصادي. ومع استمرار التجار في مراقبة التعريفات الجمركية، يتحول تركيزهم الآن إلى محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في يناير، والمقرر صدوره يوم الأربعاء، للحصول على أدلة حول كيفية نظر صناع السياسات إلى الخطر المتزايد المتمثل في حرب تجارية أوسع نطاقًا على الاقتصاد. وفي سوق العملات، تزايدت حدة التقلبات ويتداول الدولار/ الين عند 150.50 اليوم الجمعة، بعد أن جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلك الياباني أعلى من المتوقع، وهو ما كان يفترض أن يمنح الين قوة دفع قوية ضد الدولار الأمريكي، لكن السوق لم تتحرك بالاتجاه المتوقع. فبدلاً من تسجيل انخفاض واضح في زوج الدولار/الين، شهدت الأسواق معركة شرسة بين قوى الشراء والبيع، حيث تدخل كبار المسؤولين في اليابان، محاولين تهدئة وتيرة صعود الين. وهذا المشهد يعكس بوضوح مدى تعقيد العلاقة بين السياسة النقدية لبنك اليابان والضغوط الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليابانية، خصوصًا في ظل ارتفاع عائدات السندات. كما أن تصريحات وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو كانت بمثابة صدمة للأسواق، حذرت من أن ارتفاع عائدات السندات قد يشكل ضغطًا إضافيًا على الوضع المالي الياباني المتضخم بالفعل. وهذه الإشارة لم تكن عشوائية، بل جاءت في توقيت حساس شهد وصول عائدات السندات اليابانية لأجل عشر سنوات إلى 1.455 %، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2009. وقالت رانيا جول، كبيرة محللي الأسواق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لدى إكس اس دوت كوم: "برأيي بينما كان البعض يراهن على أن بنك اليابان سيواصل رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع لمواجهة التضخم، جاءت تصريحات كاتو لتعيد الأمور إلى نصابها، مؤكدة أن البنك المركزي ليس مستقلاً تمامًا عن وزارة المالية التي تواجه تحديات ضخمة بسبب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت مستويات غير مسبوقة". ورغم أن الأسواق تتوقع رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في صيف 2025، إلا أن ثقة المستثمرين في هذا السيناريو لم تكتمل بعد. فرغم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الياباني بشكل أقوى من المتوقع في الربع الأخير، والتصريحات المتشددة من بعض أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي، إلا أن القلق لا يزال قائماً بشأن قدرة الحكومة اليابانية على التعامل مع ارتفاع تكاليف الدين في حال استمر البنك في تشديد سياسته النقدية. وأعتقد أن هذا يجعل من المحتمل أن نشهد نهجًا أكثر تحفظًا من بنك اليابان، خصوصًا إذا تباطأ النمو الاقتصادي العالمي أو ظهرت البيانات بوادر تراجع في التضخم خلال الأشهر المقبلة. وفي المقابل، كانت الأسواق الآسيوية تتعامل بحذر مع التطورات الاقتصادية الأمريكية، حيث ركز المستثمرون بشكل خاص على صحة المستهلك الأمريكي، الذي يُعدّ المحرك الأساسي للطلب العالمي. وجاء تقرير وول مارت بنتائج مخيبة للآمال، مما زاد المخاوف بشأن قدرة المستهلكين الأمريكيين على مواصلة الإنفاق بنفس الوتيرة السابقة. وبرأيي هذا يعني أن أي ضعف في الاقتصاد الأمريكي قد ينعكس على الدولار، مما قد يعطي دفعة إضافية للين الياباني. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ ببعض الدعم، خاصة مع استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في تبني نهج متشدد تجاه السياسة النقدية. فحتى مع التوقعات بأن الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة لاحقًا في 2025، فإن البيانات الاقتصادية القوية في الولاياتالمتحدة، بما في ذلك سوق العمل المتينة، قد تدفعه إلى التريث في اتخاذ هذا القرار. وبالتالي، فإن الدولار قد يستفيد من الفجوة في أسعار الفائدة بين الولاياتالمتحدةواليابان، وهو ما قد يحدّ من زخم الين الصاعد مؤقتًا. واللافت هنا هو أن تحركات الدولار/ الين ليست مرتبطة فقط بالسياسات النقدية، بل أيضًا بتدفقات رؤوس الأموال العالمية والتحولات في شهية المخاطرة لدى المستثمرين. ففي ظل تصاعد التوترات التجارية، وخاصة مع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة، ازداد الطلب على الين كملاذ آمن. وهذا الاتجاه، إلى جانب ارتفاع عائدات السندات اليابانية، دفع الزوج نحو المستوى النفسي الحساس عند 150.00، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر الماضي. ومع ذلك، فإن أي تلميحات من الاحتياطي الفيدرالي بشأن الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول قد توفر للدولار الأمريكي بعض الدعم وتحدّ من استمرار صعود الين. وما يجري في الأسواق اليابانية ليس مجرد تحركات قصيرة المدى، بل يعكس صراعًا أعمق بين قوى التضخم والقيود الاقتصادية التي تواجهها الحكومة. فمع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي لنمو قوي، وارتفاع توقعات الأجور، وزيادة أسعار المستهلك، تبدو اليابان في طريقها إلى مزيد من التشديد النقدي. ولكن مع امتلاكها نسبة دين هائلة، فإن أي ارتفاع مفرط في أسعار الفائدة قد يؤدي إلى أزمة مالية يصعب السيطرة عليها. لهذا السبب، فإن بنك اليابان قد يفضل اتباع نهج تدريجي، يسمح له بموازنة استقرار السوق مع تجنب تفاقم أزمة الدين. والسيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يواصل الدولار/الين تذبذبه بين ضغوط التضخم في اليابان والسياسات النقدية الأمريكية المتشددة. وعلى الرغم من أن ارتفاع الين قد يبدو كحركة منطقية في ظل ارتفاع العائدات اليابانية، إلا أن قدرة بنك اليابان على المضي قدمًا في رفع الفائدة لا تزال موضع شك. وفي المقابل، فإن أي إشارات من الاحتياطي الفيدرالي حول تخفيف سياسته النقدية قد توفر للين مزيدًا من الدعم، مما قد يدفع الزوج إلى مستويات أدنى. وربما يبقى الدولار/الين في منطقة حساسة، حيث تتشابك العوامل النقدية والمالية مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. ومن المرجح أن يبقى التوازن الدقيق بين السياسات النقدية لبنك اليابان والاحتياطي الفيدرالي العامل الرئيس في تحديد الاتجاه المقبل للزوج، مع الأخذ في الاعتبار أن أي تحولات مفاجئة في الأسواق العالمية قد تؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة في حركة السعر. وبناءً على التحليل الفني لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني على الإطار الزمني لأربع ساعات، يواجه السعر حالياً مقاومة عند المستوى 151.00 بعد كسره والاستقرار دونه، مما يزيد من احتمالية استمرار الاتجاه الهبوطي. والدعم الرئيس التالي يقع عند المستوى النفسي 150.00، والذي يمثل نقطة محورية للمتداولين. وكسر هذا المستوى قد يفتح المجال لمزيد من التراجع نحو منطقة 149.60-149.55، والتي تمثل دعماً ثانوياً، وفي حال استمرار الضغط البيعي قد نشهد اختباراً لمستوى 149.00 ثم قاع ديسمبر 2024 عند 148.65.