يا من تُلوّْن في الطِّباع أما ترى ورقَ الغصونِ إذا تلوَّنَ يسقطُ يستشهد الكثيرون بهذا البيت المنسوب لابن عز القضاة في خطورة التغيير، وأن مآل التغيير هو السقوط والنهاية الحتمية في الواقع، في حين أن بيت الشعر أعلاه جميل ومعناه عميق إلا أنه قد يكون من الصعب الاتفاق تماماً مع مضمونه. لاشك أن من أسوأ الأمور هو التغير الحاد ونزع الأقنعة التي يمارسها البعض بعد مغادرة مدير أو مسؤول لمنصبه أو بعد انتهاء وانقضاء مصلحة ما فينقلب الأمر وكأنه لم تكن بينه وبينهم مودة. المضحك المبكي هو أن أكثر المنافقين والمتملقين ستجدهم أكثر المتقلبين والمعادين بعد التغير الكبير. وتصل إلى مرحلة الإشفاق على هذه النوعية من الناس من التعب والمعاناة التي يعيشونها من ممارسة التمثيل الرديء في هذه التعاملات الانسانية.. وينطبق حرفياً على هذه النوعية من الناس كلمات الشافعي: وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ ولكن وبالمقابل، فلا بد أن التوازن مطلوب في ناحية العلاقات فلا إفراط في تقدير وولاء مبالغ فيه خارج عن الحدود ولا إجحاف وتعدي في حق من غادروا كراسيهم أو انتهت المصلحة معهم. الوفاء جميل ونبيل مع الأشخاص، ولكن الولاء للمنظمة والمصلحة العامة في نهاية الأمر.. هذا الفهم والمرونة في التعامل والدبلوماسية في العلاقات بلغة العصر مطلب ضروري للنجاح دون شك. وصدق في قوله حكيم الشعراء العرب في العصر الجاهلي زهير ابن أبي سلمي: وَمَنْ لَمْ يُصانعْ فِي أُمُورٍ كَثيرةٍ يُضَرَّسْ بأنْيابٍ ويُوطَأ بِمَنْسِمِ من ناحية أخرى، وبعيدا عن العلاقات الإنسانية فسقوط الأوراق المتلونة مرحلة لابد أن تمر بها الأغصان لتكتسي بالأوراق الجديدة والثمار في الربيع. وهكذا المنظمات التي تسعى للتحسين والتطوير فلا بد من أن تحل مشاكلها وتواجه تحدياتها لكي تتمكن من مواكبة العصر والتقدم نحو المستقبل طالما لم تتعارض هذه التغييرات مع الأخلاقيات والثوابت التي تقوم عليها المنظمة. باختصار، الشجرة التي لا تتغير أوراقها هي شجرة البلاستيك الميتة. لذلك، سقوط الأوراق المتلونة في الأشجار الحية ليس مشكلة طالما أن هذا الثمن ضروري لتنمو الثمار والزهور الجديدة على الأغصان. فالتغيير مطلوب للنمو والتقدم على مختلف الأصعدة. من المهم أن يكون التطور في الرؤية والاساليب والمعرفة والابتكار ولكن تبقى المبادئ السامية والقيم ثابتة راسخة كالجذور القوية لا تتغير ولا تتأثر مهما عصفت الأعاصير واشتدت الكروب. وأختم بكلمات جلال الدين الرومي: "لربما أنك باحث في الأغصان عما لا يظهر إلا في الجذور".