أصبح استخدام التقنية والأجهزة الإلكترونية في عصرنا الحالي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلا أن التقدم السريع في هذا المجال يأتي بتكلفة بيئية وصحية كبيرة تُعرف باسم "التلوث الإلكتروني" الذي يتمثل في النفايات الإلكترونية (e-waste) الناتجة عن التخلص غير الآمن من الأجهزة الإلكترونية وأجزائها، مثل الحواسيب والهواتف المحمولة وغيرها كونها مصدراً خطيراً للتلوث، فضلاً عن التلوث الكهرومغناطيسي الناتج عن الموجات التي تصدرها هذه الأجهزة. يؤثر التلوث الإلكتروني سلبًا على البيئة من خلال تسرب المواد الضارة من النفايات الإلكترونية إلى التربة والمياه والهواء في حال لم يتم التخلص منها بالشكل الصحيح، كما أن له تأثيراً صحياً على جسم الإنسان علاوة على تأثيراته الاقتصادية نتيجة تكاليف العلاج من الأمراض الناتجة عنه وتكاليف تنظيف البيئة منه، إلى جانب هدر فرصة استخراج المعادن الثمينة من هذه النفايات وإعادة استخدامها والذي يقلل من الحاجة إلى استخراج معادن جديدة من الطبيعة. بشكل عام يمكن أن يكون التلوث ناتجًا عن أنشطة بشرية أو عوامل طبيعية، إلا أن النشاط البشري يُعد السبب الرئيس في تفاقمه، والذي يتمثل في إدخال مواد ضارة إلى البيئة، كما تتنوع أشكاله بين تلوث الهواء والمياه والتربة، والتلوث الإشعاعي والحراري والضوئي والضوضائي، والتلوث البلاستيكي والضبابي، بالاضافة إلى التلوث الإلكتروني الذي يُعد من أكثرها تزايدًا. فوفقًا لتقارير الأممالمتحدة تراكمت أكثر من 62 مليار كيلوجرام من النفايات الإلكترونية على مستوى العالم في عام 2022 ولم يتم إعادة تدوير سوى 23 % منها بشكل رسمي وآمن، أما الجزء الأكبر فينتهي به المطاف للأسف في مكبات النفايات أو يتم تصديره إلى دول نامية، حيث يتم تفكيكه بشكل غير صحيح مما يفاقم المشكلة، كما يُشير التقرير أنه من المتوقع أن تصل كمية هذه النفايات إلى 82 مليار كيلوجرام بحلول عام 2030. من الأسباب الرئيسة للتلوث الإلكتروني هو التطور السريع للتقنية، إذ يؤدي إلى إنتاج أجهزة جديدة بوتيرة متسارعة، مما يجعل الأجهزة القديمة عديمة الفائدة، وبالتالي يعمد المستهلكون إلى تغيير أجهزتهم الإلكترونية بشكل متكرر دون التفكير في كيفية التخلص منها، حيث تتركز الحلول للحد من مشكلة التلوث الإلكتروني في وجود مراكز متخصصة لإدارة نفاياتها عبر إعادة تدوير الإلكترونيات واستخراج المواد القابلة منها لإعادة استخدامها، ونشر الوعي المجتمعي حول مخاطر النفايات الإلكترونية وكيفية التخلص منها بطريقة صحيحة وآمنة، وتقنين استخدام الأجهزة واستهلاك الطاقة والتحفيز على التحول إلى الطاقة النظيفة، كما يجب تشجيع الشركات المصنعة على إنتاج أجهزة تدوم لفترة أطول وتكون قابلة لإعادة التدوير واستخدامها لمواد أقل ضررًا بالبيئة، بالإضافة إلى ضرورة إلزام جميع أطراف المجتمع بالتعامل مع النفايات الإلكترونية بطرق مسؤولة ومستدامة. التقنية توفر لنا العديد من الفوائد، ولكن يجب أن نكون واعين بتأثيراتها السلبية على البيئة، لا سيما التلوث الإلكتروني الذي يمثل تحديًا بيئيًا وصحيًا يستوجب تكاتف الجهود من جميع فئات المجتمع لوضع حلول للحد من آثاره بغرض حماية وطننا الغالي وتوفير بيئة نظيفة مستدامة للأجيال القادمة.