تقود آسيا التحول العالمي نحو المدفوعات الرقمية، وهو الأمر الذي يلاحظه المسافرون الدوليون بشكل متكرر، حيث تختفي النقود بسرعة في المعاملات الاستهلاكية في مختلف أنحاء القارة الآسيوية، لتحل محلها رموز الاستجابة السريعة وغيرها من التقنيات المالية القائمة على الهواتف الذكية، ومن المتوقع أن تشكل الأموال المادية 14 % فقط من إجمالي المعاملات بحلول عام 2027، انخفاضا من نحو 47 % في عام 2019، وفقا لشركة وورلدباي، وهي شركة معالجة المدفوعات ومقرها الولاياتالمتحدة، ويكتسب هذا التحول زخماً كبيراً بفضل المبادرات الحكومية والقطاع الخاص، وسط مساعي حثيثة لتعزيز أنظمة التسوية الرقمية المحلية والحد من هيمنة العلامات التجارية لبطاقات الائتمان الغربية. السعودية الخالية من النقد تستهدف رؤية المملكة 2030 زيادة المعاملات الرقمية، غير النقدية، إلى 70 ٪ بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تسجّل السوق السعودية معدل نمو سنوي مركب قدره 15.4 % حتى عام 2027، ولهذا، ترى الشركات العالمية في السوق السعودية فرصة واعدة للتوسع، مما يدفعها إلى افتتاح مقار إقليمية لها في الرياض، وأبرزها "باير ماكس" الرائدة عالمياً، والتي تدعم أكثر من 600 طريقة دفع في أكثر من 150 دولة، حيث تقدر الشركة حجم سوق المدفوعات الرقمية العالمي بقيمة 7.7 تريليون دولار، وتسجيل معدل نمو سنوي مركب قدره 11 %، أي أنها مرشحة للوصول إلى 14.7 تريليون دولار بنهاية العقد الحالي، بفضل تنامي المحافظ الرقمية، وتكنولوجيا الهواتف الذكية، وبطاقات الدفع الرقمية، وتوسع نقاط البيع بالتجزئة. تقوم تطبيقات توصيل الطعام والمواد الضرورية اليومية في العديد من الدول الآسيوية على إكمال المعاملات المالية عبر الهاتف الذكي، بدون تلامس نقدي، إذ لا ترحب العديد من هذه التطبيقات بالمدفوعات النقدية، وعلى سبيل المثال، تدعم الحكومة الهندية بالتعاون مع المؤسسات المالية، واجهة المدفوعات الموحدة (UPI)، وهو نظام دفع عبر الهاتف المحمول يسمح للمستخدمين بإجراء مدفوعات تدعم خدمات التوصيل القائمة على التطبيقات وغيرها من الأعمال التجارية، ووفقًا لشركة PwC India، تم إجراء أكثر من 131 مليار معاملة عبر واجهة المدفوعات الموحدة في السنة المالية 2024، وفي الصين، حيث يستخدم أكثر من مليار شخص بالفعل تطبيق Ali pay وتطبيقات الدفع الرقمية الأخرى، من المتوقع أن تنخفض حصة المعاملات النقدية إلى 3 % فقط بحلول عام 2027. وفي آسيا، تشتهر خدمة علي باي Ali pay، وهي خدمة المحفظة الإلكترونية للدفع عبر الهاتف، وتعتبر الأكثر شهرة في آسيا كلها، خاصة في الصين، حيث تم تصميم هذه الخدمة خصيصاً للقاطنين في الصين، وتخطط شركة آنت إنترناشيونال، المشغلة لخدمة علي باي Ali pay خارج الصين، لتوسيع شبكة خدماتها في آسيا وغيرها من الأسواق، وقد تجاوز عدد المتاجر الخارجية التي تقبل علي باي 10 ملايين متجر، ومن المتوقع أن ينخفض متوسط حصة المعاملات النقدية في 14 دولة آسيوية بنسبة 33 نقطة مئوية عن مستويات عام 2019 إلى 14 % في عام 2027، وهو ما يزيد قليلاً عن نسبة 12 % في أوروبا، وتتوقع شركة الاستشارات الفرنسية كابجيميني إجراء 1.46 تريليون معاملة غير نقدية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سنويا بحلول عام 2028، وهو ما يزيد على أربعة أضعاف مثيلتها في أمريكا الشمالية، حيث تستخدم بطاقات الائتمان على نطاق واسع. يغذي الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية، المعاملات غير النقدية في آسيا، وكانت المدفوعات غير النقدية بطيئة في اكتساب الزخم في جنوب شرق آسيا، حيث يعني قلة عدد الحسابات المصرفية، استخدامًا أقل لبطاقات الائتمان في المنطقة مقارنة بالولاياتالمتحدة وأوروبا، لكن الهواتف الذكية غيرت ذلك، فبمجرد رقم الهاتف وبعض التفاصيل الأخرى، أصبحت المعاملات أسهل، مما مكن المزيد من الآسيويين القاطنين في الجنوب من الاستغناء عن النقود، ومن المتوقع أن يصل متوسط حصة المدفوعات عبر الهواتف الذكية في واجهات المتاجر على مستوى العالم إلى 46 % بحلول عام 2027، وهو أكثر من ضعف حصة مدفوعات بطاقات الائتمان البالغة 22 %. وتشكل القومية دافعاً آخر للمدفوعات غير النقدية في آسيا، وتروج الحكومتان الهندية والصينية لشبكات الدفع الخاصة بهما لتحدي العلامات التجارية الدولية لبطاقات الائتمان مثل فيزا وماستركارد، التي تفرض رسوماً لا تتجاوز بضعة في المائة على كل معاملة، وتجمع كميات كبيرة من البيانات من حاملي البطاقات والتجار على حد سواء، وفي جنوب شرق آسيا، تتعاون البلدان في مجال المدفوعات الرقمية القائمة على رمز الاستجابة السريعة، ويمكن لمستخدمي خدمة Prompt Pay في تايلاند، وخدمة Pay Now في سنغافورة تحويل الأموال بين البلدين، وتجري دراسات لإنشاء نظام تسوية عبر الحدود في الوقت الفعلي في المنطقة. في الوقت الحالي، تعمل دول جنوب شرق آسيا على إنشاء "كتلة تسوية آسيوية" من خلال إنشاء نظام مستقل عن شبكات الدفع الأجنبية، وتقود الحكومات العديد من هذه المبادرات التي تهدف إلى إبقاء رسوم المستخدمين منخفضة من خلال التنظيمات واللوائح، ولضمان استدامة أنظمة التسوية، يتعين على المشغلين أن يكونوا قادرين على جني الأموال الكافية للابتكار، مع الحفاظ على الرسوم عند مستويات مقبولة لكل من المستهلكين وتجار التجزئة. ومع انتشار المدفوعات غير النقدية في مختلف أنحاء آسيا، لجأت بعض شركات التجزئة إلى استخدام نظام أبسط يسمح لها باستخدام الهاتف الذكي فقط لمعالجة المعاملات، والتخلص من محطات نقاط البيع المخصصة، وإحدى الشركات المهمة التي تقف وراء هذه التقنية هي شركةSoft Space الماليزية، والتي تعتبر أول شركة في العالم تقوم بتصميم ونشر تقنية Soft POS مع قبول رقم التعريف الشخصي، وهي تستخدم هذه التقنية في العديد من المجالات التي تجعل محطات نقاط البيع التقليدية غير ضرورية من خلال تمكين الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية من معالجة المدفوعات المالية. تشهد سوق Soft POS ازدهارًا كبيرًا على مستوى العالم، وتشير تقديرات شركة Juniper Researchومقرها المملكة المتحدة إلى أن السوق ستتوسع من مليار دولار في عام 2024 إلى 11.8 مليار دولار بحلول عام 2028، ومع عدم الحاجة إلى محطات دفع تقليدية، فإن Soft POS جذابة بشكل خاص للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مما يتيح الدفع بالبطاقات بسهولة للبائعين المتنقلين والأكشاك الصغيرة، ومع ذلك، فإن تقنية SPoC غير مناسبة للمعاملات عالية القيمة لأسباب أمنية. ولمعالجة هذه القيود، طورت Soft Space حلاً من خلال نظام يسمى MPoC، والذي يتيح إجراء المعاملات على الهاتف الذكي مع السماح بإدخال رقم التعريف الشخصي للمدفوعات ذات القيمة الأعلى، وقد حصل Soft Space بفضل هذا الابتكار على أول شهادة حلول MPoC في العالم من مجلس معايير أمان PCI، وهي سلطة عالمية في معايير أمان بطاقات الائتمان، وتتجاوز تطبيقات تقنية الدفع تجارة التجزئة، إذ يمكن استخدامها في أنظمة النقل مثل دفع أجور الحافلات والترام والمترو والقطارات، بالإضافة إلى خدمات الدفع مقابل المبيعات على متن الرحلات الجوية لشركة طيران آسيا، وهي شركة طيران ماليزية منخفضة التكلفة. ويبدو هذا التنوع في تقديم خدمات الدفع الرقمي مناسباً للاستخدام في آسيا، خاصة في قطاعات التجزئة والمطاعم والطيران والضيافة والفندقة والخدمات اللوجستية، وبالنظر إلى المستقبل، فإن اليابان وإندونيسيا تشكلان أسواقاً واعدة للمدفوعات الرقمية، حيث تعاني هذه الأسواق من معدل منخفض من المدفوعات غير النقدية، وقد أفسحت اليابان مساحة كبيرة للنمو بفضل ثقافة النقد، إذ لا يزال اليابانيون يعتمدون بشكل كبير على النقد، وبالتالي، هناك الكثير من الفرص والمجالات للنمو في اليابان، وأيضاً هناك فرصة للنمو في إندونيسيا، التي تعد أكبر سوق في جنوب شرق آسيا، وهناك رغبة شعبية كبيرة في هاتين الدولتين للدفع بدون تلامس أو الدفع النقدي، الأمر الذي يمثل فرصة كبيرة للنمو في تلك الأسواق الواعدة. د. خالد رمضان