ترمب يلوح بالجيش لإغلاق الحدود مع المكسيك قبل أيام، حذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أن «مئات الآلاف من الأشخاص في الولاياتالمتحدة ماتوا، بسبب المخدرات التي تتدفق عبر حدود المكسيكوكندا»، وذلك في معرض تبريره لاستخدم الرسوم المشددة ضد كنداوالمكسيك بهدف تجفيف منابع تجارة المخدرات في بلاد، والسؤال: هل تنجح هذه السياسة التجارية في إنهاء تجارة المخدرات في الولاياتالمتحدة؟ الواقع، أن هذه مسألة صعبة للغاية، لأن الأميركيين يستهلكون المخدرات بشكل قياسي، حيث يتعاطاها حوالي 6 % من سكان الولاياتالمتحدة بانتظام، وأحد هذه العقاقير المخدرة، الفنتانيل، هو مادة أفيونية صناعية أقوى من المورفين بنحو 50 إلى 100 مرة، وهي تعد السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الوفيات في الولاياتالمتحدة خلال السنوات الأخيرة بسبب تعاطي جرعات زائدة. أثمرت سياسة التصعيد القصوى التي ينتهجها ترمب، كأداة للتفاوض، في تحقيق بعض أهدافها المرحلية المتعلقة بتعقب تجار المخدرات الدوليين من دول الجوار، حيث أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أن الرسوم الجمركية الأميركية على بلاده سوف تتوقف مؤقتًا لمدة 30 يومًا، في مقابل ضبط أمن الحدود، وإنشاء قوة مشتركة بين البلدين لمكافحة الجريمة المنظمة والفنتانيل وغسيل الأموال، وإدراج عصابات المخدرات كجماعات إرهابية، ومن جانبه، أكد ترمب، أن وقف تنفيذ الرسوم الجمركية مؤقتاً يعطي فرصة لمعرفة ما إذا كان من الممكن إبرام صفقة اقتصادية مع كندا أم لا. دون شك، لا يعد إنهاء أزمة الفنتانيل أمراً سهلاً، فالولاياتالمتحدة تعاني مشكلة إدمان تمتد لعقود من الزمن، وحتى من قبل ظهور الفنتانيل، ولم تنجح محاولات لا حصر لها من سن التشريعات والسجن في الحد من تعاطي المخدرات، وفي الوقت نفسه، تكلف هذه المواد الأفيونية الأميركيين عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، ومع فشل السياسات السابقة في الحد من الوفيات الناجمة عن الفنتانيل، بدأ الرئيس دونالد ترمب استعمال أداة أخرى قوية للغاية في محاربة المخدرات وهي، أداة الرسوم الجمركية المشددة. خلال حملته الرئاسية، تعهّد ترمب بفرض رسوم جمركية على كنداوالمكسيك إذا لم توقفا تدفق المخدرات عبر الحدود الأميركية، وعلى الصين إذا لم تبذل المزيد من الجهود للحد من إنتاج المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل، وكرر ترمب خطته في أول يوم له في منصبه، وفي الأول من فبراير، نفذ هذا التهديد، ففرض رسومًا جمركية على الدول الثلاث واستشهد بالفنتانيل كسبب رئيسي، والحقيقة، أن الفنتانيل والضرائب المقترحة على الواردات تمثلان تهديدات كبيرة للولايات المتحدة، وفي حين أن الخسائر البشرية الناجمة عن الفنتانيل لا يمكن إنكارها، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت التعريفات الجمركية ستنجح، أو ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الحالية بالفعل؟ الفنتانيل: التحدي الأعظم في عام 2021، توفي أكثر من 107 آلاف أميركي بسبب جرعات زائدة، وهو أكبر عدد مسجل على الإطلاق. وكان ما يقرب من 7 من كل 10 وفيات مرتبطة بالفنتانيل أو المواد الأفيونية الاصطناعية المماثلة، وفي عام 2022، كان الفنتانيل يقتل ما معدله 200 شخص كل يوم، وبينما انخفضت وفيات الفنتانيل قليلاً في عام 2023، لا يزال ما يقرب من 75 ألف أميركي يموتون من المواد الأفيونية الاصطناعية في ذلك العام، وفي مارس من ذلك العام، وهي أحدث بيانات سنوية متاحة عن وفيات الجرعات الزائدة، أعلن وزير الأمن الداخلي آنذاك أن الفنتانيل هو التحدي الأعظم الذي تواجهه الولاياتالمتحدة، لكن التاريخ يبين أن جهود الحكومة الفيدرالية للحد من تعاطي المخدرات لم يحقق نجاحاً يذكر. كانت أول محاولة حقيقية لتنظيم المخدرات في الولاياتالمتحدة في عام 1890، عندما أصدر الكونجرس قانونًا يفرض ضريبة على المورفين والأفيون وسط انتشار تعاطي المخدرات، وفي السنوات التي تلت ذلك، ارتفع استخدام الكوكايين بشكل كبير، حيث ارتفع بنسبة 700 % بين عامي 1890 و1902، وكان الكوكايين شائعًا للغاية، حتى إنه كان موجودًا في مشروبات مثل كوكاكولا. والتي استمد منها اسمه، وتبع ذلك قانون عام 1909 الذي حظر تدخين الأفيون، وفي عام1937، صدر قانون ضريبة الماريجوانا، حيث تم إقرار الحزمة الأكثر شمولاً من القوانين مع قانون المواد الخاضعة للرقابة لعام 1970، والذي صنف المخدرات إلى خمس فئات بناءً على استخداماتها الطبية وإمكانية إساءة استخدامها أو الاعتماد عليها، وبعد عام، أطلق الرئيس ريتشارد نيكسون الحرب على المخدرات، وأعلن إساءة استخدام المخدرات «العدو رقم 1»، وفي عام 1986، أقر الكونجرس قانون مكافحة إساءة استخدام المخدرات، الذي وجه 1.7 مليار دولار لإنفاذ قوانين مكافحة المخدرات والسيطرة عليها. فشلت هذه السياسات بشكل عام في الحد من عرض المخدرات وتعاطيها، كما تسببت أيضًا في أضرار جسيمة للأشخاص والمجتمعات الملونة، وعلى سبيل المثال، بين عامي 1980 و1997، ارتفع عدد حالات السجن بسبب جرائم المخدرات غير العنيفة من 50 ألفاً إلى 400 ألف، لكن هذه السياسات لم تؤثر على التعاطي، فانخفضت حصة طلاب المدارس الثانوية الذين يتعاطون المخدرات بشكل طفيف خلال نفس الفترة، من 65 ٪ في عام 1980 إلى 58 ٪ في عام 1997، وباختصار، لم تكن الجهود الأميركية السابقة للحد من تعاطي المخدرات غير المشروعة فعّالة، والآن تتجه الولاياتالمتحدة نحو استخدام التعريفات الجمركية المشددة، فهل تؤدي إلى نتائج أفضل، أو تتسبب في أضرار جسيمة؟ يمكن إرجاع تجارب أمريكا مع التعريفات الجمركية إلى عصر التأسيس مع إقرار قانون التعريفات الجمركية لعام 1789، وقد أظهر هذا التاريخ الطويل أن التعريفات الجمركية والإعانات الصناعية والسياسات الحمائية لا تفعل الكثير لتحفيز النمو الاقتصادي الواسع في الداخل، لكنها ترفع الأسعار على المستهلكين، وحتى إنها يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، ويُظهر التاريخ أن التعريفات الجمركية لا تعمل بشكل جيد بشكل خاص كأدوات تفاوضية، حيث تفشل في إحداث تغييرات سياسية كبيرة في البلدان المستهدفة، ويتفق خبراء الاقتصاد عمومًا على أن تكاليف التعريفات الجمركية تفوق الفوائد. على مدار فترة ولاية ترمب الأولى، ارتفع متوسط معدل التعريفات الجمركية الفعلية على الواردات الصينية من 3 % إلى 11 %، ولكن في حين انخفضت الواردات من الصين بشكل طفيف، فإن العلاقة التجارية الإجمالية لم تتغير كثيرًا، حيث تظل الصين ثاني أكبر مورد للسلع إلى الولاياتالمتحدة، وقد كان للرسوم الجمركية بعض الفوائد بالنسبة لفيتنام وغيرها من البلدان المجاورة التي تتمتع بتكاليف عمالة منخفضة نسبياً، ففي الأساس، تسببت الرسوم الجمركية المفروضة على الصين في تحول الإنتاج، حيث استثمرت الشركات العالمية مليارات الدولارات في الدول المنافسة. هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها ترمب سياسة التجارة للضغط على الصين بشأن الفنتانيل، فقد فعل ذلك في ولايته الأولى، ولكن بينما أجرت الصين بعض التغييرات السياسية ردًا على ذلك، مثل إضافة الفنتانيل إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة في عام 2019، استمرت الوفيات بسبب الفنتانيل في الولاياتالمتحدة في الارتفاع، وحاليًا، لا تزال الصين تحتل المرتبة الأولى في إنتاج مواد الفنتانيل الأولية، أو المواد الكيميائية المستخدمة لإنتاج الفنتانيل، وهناك آخرون في هذا المجال، وعلى سبيل المثال، أصبحت الهند منتجًا رئيسيًا للفنتانيل. قانون العرض والطلب كانت المخدرات منتشرة على نطاق واسع عبر تاريخ الولاياتالمتحدة، وعندما نتحرى هذا التاريخ وننظر إلى الكيفية التي تتعامل بها الدول الأخرى مع هذه المشكلة بدلاً من تجريمها، سنجد أن السويسريين والفرنسيين تعاملوا معها باعتبارها مشكلة إدمان يمكن علاجها، وقد أدركوا أن الطلب هو ما يغذي السوق غير المشروعة، ووفقاً للقاعدة الاقتصادية، فإن العرض يجد طريقة دوماً إذا لم نحد من الطلب، ولهذا السبب تنجح العلاجات بينما يفشل الحظر، وتعتبر قدرة الحكومة الأميركية على التحكم في إنتاج هذه العقاقير محدودة في أفضل تقدير، والمشكلة هنا هي أن إنتاج المواد الكيميائية المخدرة سوف يستمر، والفشل في الحد من الطلب لن يؤدي إلا إلى وضع الضمادات على الجروح النازفة، وما تحتاج إليه الولاياتالمتحدة الآن هو نهج أكثر منهجية للتعامل مع الطلب الذي يغذي أزمة المخدرات. تقرير: د. خالد رمضان