أُقيم في مركز الملك فهد الثقافي فعالية نادرة في مساء السبت 19 / 7 / 1446ه ، وهي حفل (روائع الأوركسترا السعودية)، وللحق فإن هذه الفعالية (بإعدادها وإخراجها وتنفيذها) تعد قفزة نوعية تُشكر عليها وزارة الثقافة ممثلةً في هيئة الموسيقى، فقد كانت كرنفالاً إنسانياً وحضارياً وفنياً راقياً ورائعاً بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى، حيث استحضرت الإرث الفني والثقافي الأصيل والعريق للملكة العربية السعودية، والذي لا يقل في نوعيته ومستواه عن أرقى الفنون في دول العالم. لقد أحسنت هيئة الموسيقى بأن نفضت غبار النسيان الذي كاد أن يطمر إرثاً أصيلاً متنوعاً تزخر به بلادنا من البحر الى البحر، خاصةً أننا نعيش منافسة شرسة مع ثقافات جلبتها وسائل التواصل من مشارق الأرض ومغاربها، ولها تأثير قوي خاصة على الشباب وتكاد أن تنسيهم تراثهم العريق، وفي حفل روائع الاوركسترا السعودية جرى سبك تلك الفنون في قوالب مبدعة، بدءا من فلكلور الليوة من شرق بلادنا الغالية، مروراً بالسامري من وسط المملكة، والدانة الحجازية من مكةالمكرمة، والمجرور من الطائف، والخطوة من عسير، وهكذا، والمثير للاعجاب هو الاتقان الرائع في اداء كل فن على حده، بكلماته العذبة، ولحنه الشجي، وحركاته ورقصاته التي تواكب ادائه، والملابس والازياء الزاهية المميزة عند اداء كل لون، حتى ليخيل لك ان هذه اللوحات الفنية جاءت من الزمن الماضي الجميل بكل اصالته ورونقه، كما أن الفرقة الموسيقية التي عزفت لفتت الانتباه بطواقمها من الشباب السعوديين والسعوديات، ممن جرى تدريبهم بشكل مهني، فجاء اداؤهم متجانساً متناغماً ومثيراً للإعجاب، وليس من المبالغة القول بأنهم ينافسون أرقى الفرق في العالم وأعرقها، لقد أصبحت هذه الفعاليات ضرورةً ملحة، فهي تعرف ابناءنا وبناتنا بتراثهم الرائع، وتعزز الانتماء للوطن، والفخر بإرثه العريق، ومن المعروف بأن الفنون بأنواعها تعتبر أحد العناوين الهامة لتطور البلدان ورقيها، ولربما أن بعضاً من ابنائنا وبناتنا لا يعرف عن معظم هذه الثروات الفنية الثمينة التي تزخر بها بلادنا ، وإن عرف فإنه لا يعرف سوى النزر اليسير، ومن حضر الحفل سيلاحظ مدى التهذيب والأدب الذي يتمتع به السعوديين والسعوديات، مما يجعلهم يختلفون عن عن غيرهم، ففي هذه المناسبات الحاشدة، والتي يحضرها مجاميع كبيرة من شتى الأعمار والفئات (طلاب، موظفين، متقاعدين، رجال، نساء، ومن جميع مناطق المملكة) فإن السمة الغالبة على الحضور جميعاً هي الأدب الجم، والاحترام المتبادل في التعامل، وكأنهم أسرةً واحدة، يسودها التقدير والاحترام، فلا تزاحم ولا تدافع، والتزام صارم ودقيق بالأنظمة والتعليمات، وكلٌ يقدم الآخر على نفسه، وفي مثل هذه الفعاليات تتجلى أيضاً الذائقة الفنية الرائعة لدى السعوديين والسعوديات وأدب الاستماع والاستمتاع بالفن، زد على ذلك المستوى الرائع لتنظيم الفعالية، وحفاوة الاستقبال، وأبّهة المكان، هذا وطن نحمد الله عليه، وهذا شعب نفخر بسلوكه وأخلاقياته الراقية، ومرة اخرى لقد ابدعت هيئة الموسيقى أيما إبداع، وإن كان ثمة طلب أو اقتراح، فهو تكرار هذه الفعاليات في مختلف مناطق بلادنا الحبيبة حتى ننقل تراثنا لأبنائنا وبناتنا فيستمتعون به، ويكون مصدر اعتزاز وفخر لهم ولنا جميعاً.