بعد فوز المملكة العربية السعودية بحق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2034، باتت المملكة على أبواب مرحلة جديدة من التحول الرياضي والاقتصادي والاجتماعي، حيث تُعد هذه الاستضافة بمثابة نقطة انطلاق نحو تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي بجانب تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط ومشتقاته، وتأتي هذه الاستضافة كمؤشر إيجابي يؤكد على مدى التزام المملكة بتحقيق أهدافها الطموحة في عدة مجالات، بما في ذلك تطوير البنية التحتية الرياضية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية. الاستثمار في البنية التحتية الرياضية: من المتوقع أن تُحدث استضافة كأس العالم تغييرات جوهرية في المملكة، خاصة في تطوير البنية التحتية الرياضية، حيث ستُقام البطولة في خمس مدن رئيسة تشمل: الرياض، جدة، الخبر، أبها، نيوم، وفي مدن الخمس هذه سيكون هناك 15 ملعباً 11 منها جديدة سيتم بناؤها بأحدث المواصفات العالمية، و4 ملاعب قائمة سيتم تجديدها وعمل تحديثات وتطويرات لها بحيث تتناسب مع حجم البطولة، وتقدر السعة الاستيعابية لجميع هذه الملاعب بأكثر من 770 ألف متفرج، ووفقًا لتقديرات بعض الشركات المالية، فإن تكلفة بناء الملعب الواحد تصل إلى نحو مليار دولار، وهو ما يتماشى مع المتوسط العالمي لمثل هذه المشاريع الضخمة والعالمية، وتبرز أهمية هذه الاستثمارات الضخمة في المنشآت الرياضية بكونها جزءًا رئيسًا من برامج رؤية السعودية 2030، إضافة إلى أنها ستدعم مشاريع أخرى للمملكة كإكسبو 2030 وكأس آسيا 2027. وفي إطار هذه الاستثمارات، ستشهد المملكة تحسينات كبيرة في البنية التحتية بشكل عام، لا سيما في قطاع النقل والمرافق اللوجستية، حيث سيتم توسيع المطارات الرئيسة في المدن الخمس المستضيفة لمباريات البطولة، كما سيصل خط التطوير لشبكة المترو في الرياض، حيث سيُضاف إليها 7 حارات جديدة تسهم في رفع طاقتها الاستيعابية لتصل إلى 3.6 ملايين راكب. دور الاستضافة في تعزيز الاقتصاد الوطني: على الصعيد الاقتصادي، تُعد استضافة كأس العالم فرصة ذهبية لتعزيز القطاعات غير النفطية في المملكة وجذب الاستثمارات الأجنبية، من المتوقع أن تسهم البطولة في خلق فرص عمل دائمة ومؤقتة في مجالات متعددة مثل السياحة، والخدمات، مما يعزز جهود المملكة في تنويع مصادر الدخل، ودعم النشاط الاقتصادي ونمو الناتج المحلي الإجمالي. فرصة لتعزيز السياحة والتراث الثقافي: بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، ستتيح البطولة للمملكة فرصة استعراض ثقافتها الغنية وتراثها العريق أمام العالم، حيث ستكون هذه الاستضافة أشبه بالمنبر الذي ستنقل فيه السعودية ثقافات مدنها المتعددة وإبراز التنوع الثقافي السعودي وزيادة التفاعل مع الزوار الدوليين وذلك من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية على هامش استضافة البطولة، وستتحول على إثرها السعودية إلى وجهة سياحية جذابة، ما يعزز مكانتها كوجهة سياحية عالمية. تعزيز مكانة السعودية على الساحة الرياضية العالمية: وفي مجال الرياضة، ستعزز استضافة كأس العالم مكانة السعودية على الساحة الدولية، فالمرافق الرياضية المتطورة ستسهم في استضافة العديد من الأحداث الرياضية المستقبلية، مما يساعد في دعم الأنشطة الرياضية المحلية. كما ستوفر هذه الاستثمارات في الرياضة فرصًا لتحفيز الشباب السعودي على ممارسة الرياضة، مما يساهم في تحسين الصحة العامة ويعزز الوعي بأهمية النشاط البدني في الحياة اليومية. التجارب السابقة تزيد من التطلعات تُظهر التجارب السابقة للدول التي استضافت بطولة كأس العالم الأثر الكبير لهذه البطولة في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية، مما يعكس الفوائد المتعددة التي يمكن أن تجنيها السعودية من هذه الاستضافة التاريخية، فعلى سبيل المثال، في عام 2006، استثمرت ألمانيا حوالي 2.2 مليار يورو في تطوير البنية التحتية، ما أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7 % وخلق نحو 50,000 فرصة عمل، وبعدها في جنوب أفريقيا بالتحديد في العام 2010، بلغ الاستثمار 3.6 مليارات دولار، مما أسهم في تحفيز الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 %، فضلاً عن توفير 69,000 فرصة عمل، أما في البرازيل في عام 2014، كان الاستثمار أكبر حيث بلغ 15 مليار دولار، وهو ما أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 % وخلق 200,000 فرصة عمل، بينما في النسخة التي استضافتها روسيا عام 2018 لم تتجاوز استثمارات روسيا المبلغ الذي دفعته البرازيل، حيث استثمرت 11 مليار دولار فقط في تطوير مشاريع ضخمة للبنية التحتية، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي زاد بنسبة 0.2 % كما تم توفير 300,000 فرصة عمل، وأخيرًا تأتي التجربة العربية الأولى في استضافة هذه البطولة العالمية والتي كانت من نصيب قطر بالتحديد في نسخة 2022 والتي تعد التجربة الأكثر تكليفًا في القائمة، حيث أنفقت قطر 220 مليار دولار في الاستثمارات المتعلقة باستضافة البطولة، مما أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 % وتوفير 100,000 فرصة عمل. ومن المتوقع أن تحقق السعودية نتائج مشابهة أو حتى أفضل، خاصة مع المشاريع الضخمة التي يتم الإعداد لها في إطار تطوير بنية المملكة التحتية الرياضية والسياحية.