ماذا لو رممنا بعضاً من الصفحات وعُدنا إلى رائحة الطين وحديث الممرات الممتلئة بأبواب زرقاء وأخرى كلون الشفق وجدران خشنة تعلوها (مرازيم) الماء وضفائر الصغيرات برائحة الحناء تفوح من تلك الحُجرات المُباركة تُصافحها افتتاحية التلفاز السعودي بالنشيد الوطني ومن ثم تبدأ الحياة الصغيرة في الدكاكين الضيقة ولكنها آنذاك مُغرية ببسكويت الموز والشمعدان ومشروب التيم، كل زاوية من حي أم الحمام حديث طويل يتكئ على أرصفة الحنين إلى ما لا نهاية. دعوني أذكر هنا حديث أحد الباحثين المهتمين بالتراث حيث استعرض جانباً من تاريخ قصر الملك خالد بن عبدالعزيز بحي "أم الحمام" بالرياض، والذي أقام به في عام 1370ه الموافق 1950م، ولمدة 15 عاماً إلى أن عين ولياً لعهد الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز. وقال أحد المواطنين الذين عاشوا بالقصر ويدعى فهد المفيريج في الفيديو الذي نشره الإعلامي محمد الهمزاني، إن الملك خالد عندما انتقل للسكن في القصر أقام حفل غداء كبيرًا دعا له والده الملك عبدالعزيز وإخوانه الملوك والأمراء، وعاش فيه لمدة 15 عاماً تقريباً حتى عام 1385ه. وأبان أن الأميرة صيتة بنت فهد الدامر؛ حرم الملك خالد، أطلقت على القصر اسم "أم الحمام"، وهو مأخوذ من واحة جميلة في وادي العجمان اسمها "أم الحمام"، مشيراً إلى أنه لاحقاً أصبح الاسم يطلق على كامل الحي. وأضاف أن معظم أبناء وبنات الملك خالد وُلدوا في هذا القصر، ما عدا الأمير بندر -رحمه الله- والأمير عبدالله. كان والدي يمتلك منزلا في هذا الحي واتذكر في عمر العاشرة كنت ازور هذا المنزل الذي نرتاده في العطلات كانت الحياة فيها كقرية صغيرة دافئة لا يثقبها حُزناً ولا يزورها جزعاً، كالقطّة النائمة في كنف الأمان. من سكن هذا الحي العريق يعرف تماماً ويشعر باللهفة على بيوته القديمة والذكريات العذبة التي ملأت شوارعه الطاهرة بصوت الأذان وتراويح رمضان. هذا الحي يُشكل زاوية تاريخية لسكّان نجد والرياض. رحم الله ارواحاً كانت فيه وأطال الله في عمر ساكنيه الآن يحضرني شِعر قيس بن الملوح: وما حبّ الدّيار شَغَفنَ قلبِي ولكن حُبُّ من سَكَنَ الدّيارا رحم الله الملك خالد ووالدي وجميع من كانوا في هذا الحي العريق.