خلال السنوات الأخيرة دار جدل بين المهتمين بأساليب العمل والإنتاجية حول الأسلوب الأمثل لإخراج أفضل ما لدى الكوادر البشرية في بيئات عملهم، خصوصاً وأنه لطالما تأصلت قناعة تربط بين العمل الطويل والمضني وبين الإنتاجية؛ لكن هذه النظرة خضعت للكثير من المساءلة خلال الفترة الأخيرة في ظل النتائج الإيجابية للتجارب التي قامت بها عدد من كبرى الشركات حول العالم، بل وتبنتها بعض الدول عبر تقليص ساعات أو أيام العمل، لمعرفة الطريقة المناسبة لتحقيق معادلة جودة الحياة مع أفضل قدر ممكن من الإنتاجية. في تقرير نشره موقع BBC لمراسله الاقتصادي ديفيد سيلفربرغر حول سر سعادة الموظف في الدنمارك، كشف التقرير منظومة التفاصيل اليومية التي تبنى عليها جودة الحياة هناك بفضل أسلوب حياتهم القائم على مبدأ "Hygge" (هوغا)، وهو مصطلح دنماركي يعبر عن السعادة المستمدة من اللحظات اليومية البسيطة، مثل: قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، أو الاستمتاع بكوب من الشوكولاته الساخنة، أو الاسترخاء أمام الشاشة لمشاهدة مسلسلك المفضل. التقرير تحدث عن السعادة البالغة التي يشعر بها الموظف في الدنمارك، حيث أورد عبارة لأحد الموظفين الدنماركيين تكشف المستوى الذي وصل له الرضا الوظيفي هناك، إذ يقول: "الدنماركيون يشعرون بسعادة حقيقية في العمل إلى درجة أن 60 % منهم أكدوا أنهم سيواصلون العمل، حتى لو فازوا باليانصيب وأصبحوا مستقلين مالياً". أما عن سبب شعورهم بهذه الرغبة في التفاني والعمل الجاد فيلخصه التقرير في عدة نقاط يأتي على رأسها التوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ حيث لا تزيد ساعات العمل هناك على سبع ساعات ونصف الساعة في أسوأ الحالات، مما يمنحهم المزيد من الوقت للعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى الثقة المطلقة التي يتمتع بها العامل من قبل المنظومة التي يعمل بها، إذ تتاح له حرية اتخاذ القرارات، فيما لا يركز المديرون على الساعات التي يقضيها الموظفون في المكتب بقدر تركيزهم على الإنتاجية وجودة المخرجات، كما تقدم الدنمارك أيضاً ستة أشهر مدفوعة الأجر كإجازة أمومة وأبوة لكلا الوالدين. وإذا أردت أن تتعرف على المزيد حول سعادة الدنماركيين بشكل عام وفي مجال العمل تحديداً، فعليك بقراءة كتاب "فن الحياة الدنماركية" لمؤلفه مايك ويكنغ (Meik Wiking) وهو مؤلف دنماركي وباحث في السعادة، يشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السعادة، حيث يرى ويكنغ أن في الدنمارك، أسلوب العمل يُجسّد مفهوم التوازن والراحة. إذ يعمل الدنماركيون بساعات عمل مرنة ومحددة، مما يعزز الإنتاجية ويمنح الموظفين وقتًا كافيًا للحياة الشخصية، الثقة المتبادلة بين المديرين والموظفين تلغي الحاجة للرقابة المفرطة، وتشجع القيادة التشاركية على اتخاذ القرارات بشكل جماعي. بيئات العمل مريحة ومليئة بعناصر Hygge، مثل الإضاءة الدافئة ومساحات الاسترخاء. فيما يُحتفى بالإنجازات الصغيرة، ويُعطى الوقت الكافي للتواصل الاجتماعي، حتى خلال استراحات القهوة والغداء. كما توفر جهات العمل إجازات سخية بمعدل 5 أسابيع سنوياً، ودعماً اجتماعياً للسيطرة على التوتر والقلق مما يجعل الموظفين أكثر سعادة؛ وبالتالي أكثر ولاءً لجهات عملهم.