ليس من السهل أن تكون فناناً يشار لها بالبنان، فما بالك أن تكون رائداً فنياً، وأن تكون ممن مهّد الطريق نحو الأجيال الشابة من المبدعين! تلكم حكاية الفنان التشكيلي السعودي "سعد العبيٍّد". الموعد كان في قصر الثقافة بحي السفارات، حيث نظمّت هيئة الفنون البصرية بالتعاون مع معهد مسك للفنون، معرض "سيرة ومسيرة"، يؤرخ لمسيرة الراحل "سعد العبيّد"، الذي أسهم في تقدم حركة الفن التشكيلي السعودي على مدى ستة عقود. ولد "العبيّد" في الرياض عام 1945م، ودرس في معهد المعلمين، ثم عيّن مشرفاً على قسم الرسم والخط بتلفزيون الرياض فمشرفاً على مرسم نادي الشباب، ثم سافر إلى باريس، للحصول على دبلوم الرسم التلفزيوني منتصف السبعينيات، ليعود ويشق طريقه نحو الريادة الفنية، ويتفرد بأسلوب مزج بين التراث المحلي والثقافة الوطنية من جهة، ومع الاتجاهات الحديثة في مدارس الفن التشكيلي من جهة أخرى. خلال تجولي على 161 لوحة وسكتش تزينت بها جنبات المعرض، أقدمها يعود إلى العام 1966م حتى آخر عمل أبدعه عام 2020م، لاحظت استلهامه روح التراث السعودي، عّبر الرموز والألوان المستوحاة من العمارة التقليدية، والنقوش الشعبية، ناهيك عن صحراء نجد، وجبال الجنوب، ليجمع بين الواقعية والتجريدية، ويعكس هوية فنية سعودية معاصرة. والحقيقة أن زيارة واحدة لا تكفي للتأمل اللوحات، حيث لكل لوحة رواية ومعنى، وحكايات تؤرخ لقصص إنسانية وتقدم مجتمع. غير أن دوره الأسمى كان نشر الثقافة التشكيلية في المملكة، عبر مشاركته في الفعاليات والمعارض، وكذلك من خلال التدريس والإشراف على برامج فنية، والأهم تأسيسه لمفهوم المعارض الفنية الجماعية في السعودية والإسهام الفعال في إبراز المواهب الشابة وتشجيع الحركة الفنية. وهو ما وجودته من حضور كثيف لعشرات الفنانين السعوديين الذين حظيو بدعمه ومساندته، مما مكنهم الانطلاق والمساهمة في تقدم الفن السعودي. ناهيك عن دوره في نشر الفن السعودي خارجياً، حينما تولى إعداد والإشراف على الجناح التشكيلي في معرض "المملكة بين الأمس واليوم"، الذي جاب العالم منتصف الثمانينات، وحقق نجاحاً دولياً وانتشاراً واسعاً، وكان بإشراف الملك (أمير الرياض آنذاك) سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، الذي يعد أبرز مقتني لوحات الفنان. رغم أن أيام معرض "العبيّد" كانت قصيرة، ألا أنها شكّلت فرصة للأجيال الصاعدة من الفنانين والمهتمين ليستمتعوا بأعمال فنية رُسمت على مدى خمسة عقود، تتيح إدراك مراحل تطور أعمال الفنان الرائد، بالإضافة إلى الاطلاع على القصاصات الصحفية التي وثقت مسيرة مبدعنا، والشريط الوثائقي الذي صنع برشة فنان مرهف. والحقيقة بقدر ما نثمن تنظيم هذا المعرض الغني؛ بقدر ما نتمنى أن تحط رحاله في مدن أخرى من المملكة، حتى يدرك الجيل الشاب من التشكيليين أهمية دورهم في حفظ تراثنا وتعزيز هويتنا، كما فعل "سعد العبيّد" رحمه الله.