التطعيم الفكري هو تعزيز قدرة الأفراد على مقاومة التأثيرات السلبية للأفكار، والرسائل، والتعاملات والاعتقادات، والخطابات الضارة، حيث يمكن اعتباره عملية وقائية تهدف إلى حماية العقول من الأفكار المضللة أو المتطرفة بنفس الطريقة التي يحمي بها التطعيم الجسدي من الأسقام ليقود إلى مجتمع أكثر وعيًا، تعاونًا، وفهمًا، خصوصًا إذا تم التعامل بمعطيات منضبطة وواعية ومستوعبة للتطبيق الأمثل.. حالة التضليل الساخنة التي تدور حولنا بشكل مكثف وقبيح مبني على مشاعر الحقد والتربص، ونيات الإفساد، وإثارة الفتن، وتحريك المجتمع باتجاه التشتت والتشكيك ومحاولة ضرب اللحمة والأمن الوطني هي آثار معلومة لدى المتبصرين والعارفين عن ذلك، فكلنا ندرك أن الكاره والحاقد صاحب النفس الخبيثة يقطن في جحور الاختباء، ويتوارى خلف الأوهام والإيهام لأنه كاذب أشر ومرتزق حسر. أولئك يحاولون ويضخون محتويات ومواد هائلة مصبوغة بالضلال والأكاذيب والافتراءات في كل اتجاه.. فيكون من الطبيعي أن يتعرض الفرد في مجتمعنا وبسبب تعدد الوسائل، ومرونة الاستقبال للرسائل والأفكار التي يراها ويسمعها فتجده يتلقى آراء ووجهات نظر معينة بهدف تلويث المعتقدات بآفات مشوهة، أو تشكيل توجهات مقصودة، أو تغيير قناعات راسخة.. كل ذلك يكون عبر اتخاذ واستخدام أساليب متنوعة تمارس عادةً من خلال تكثيف الرسائل الدعائية في عدة وسائل سواء إعلامية عن طريق اختيار الأخبار التي تتم تغطيتها، كيفية تقديمها، والرأي الذي يتم تعزيزه ليؤدي إلى تشكيل رأي عام بطريقة مخطط لها، وكذلك عبر المحتوى المصور، أو الفيديو، أو الأفلام والأعمال الدرامية، أو إنتاج مقاطع وصور وجرافيك مفبرك، أو حوارات، ومقابلات، أو تواصلية باستخدام شبكات التواصل بوهميتها، وأدواتها وخياراتها المتعددة ومحتواها الكثيف وكذلك المواقع الإلكترونية وموادها، ولقاءات البودكاست، أو منصات أخرى كالألعاب الالكترونية مثلا، أو عن طريق التعليم بتقديم معلومات معينة بطريقة تعزز قيمًا أو أيديولوجيات معينة والتدريب والدورات الإقناعية والتطويرية والمحاضرات والندوات الموجهة عبر تضمين أفكار ساخنة ومثيرة، وجدالات وحوارات مرتبكة وأطروحات جاذبة تلهب العقول وتشتت الانتباه وتوقع المتلقي في حيرة ليكون صيدا سهلا في حالة تعبئته بأجندة وقناعات محددة. من هنا ننطلق من الرسائل الواضحة التي طرحها المتحدث الرسمي في رئاسة أمن الدولة التي تضمنت أن المملكة لم تكن أرضا وأهلها يومًا مادة استعمالية للآخر، وهذا هو الأساس الذي يجب أن نبني عليه للغد. كما أن المملكة تواجه مشاريع فكرية موجهة للشباب بأساليب ناعمة تحمل في طياتها خديعة ومكرًا. وتضمنت بعض النقاط الموجزة في أن المرجفين يسعون للتقليل مما نملك في وطننا ومقدراته، حتى نتنازل عنه بكل سهولة، ويحاولون صناعة حالة من الفراغ في المجتمع، لكي يضعوا بديلًا وأيديولوجية جديدة أياً كان سياقها، وأننا في المملكة نواجه سردية فكرية تحاصر وتضاد جوانب مضيئة في ثقافتنا وهويتنا، أفكار تعزيز الذاتية والانفصال عن المكون الأساسي الأم بكافة مستوياته، من هنا توجب علينا أن نستشعر أهمية أن نكون دائمًا في نسق واضح واتساق مع حدودنا الفكرية. ولا يعني ذلك أن نكون في قطيعة أو عزلة فكرية مع الآخر؛ فمن المهم أن نعرف الآخر جيدًا، ولكن دون أن نذوب فيه على حساب ماهيتنا. لذا علينا الحذر من كل رأي، أو موقف، وأجندة بَوْصَلَتُها خارج الوطن، فلا سقف يعلو فوق سقف الوطن.. انتهى. لا شك ان هذا الطرح العميق له دلالة على أن الوعي الوطني والفكري بما يجري حولنا مرصود بطريقة عبقرية تلامس كافة التفاصيل التي تعيننا بعون الله تعالى على تكريس المناعة الفكرية. ويبرز مفهوم مهم يمكنني طرحه يتمثل فيما يسمى التطعيم الفكري الذي يشير إلى تعزيز قدرة الأفراد على مقاومة التأثيرات السلبية للأفكار، والرسائل، والتعاملات والاعتقادات، والخطابات الضارة حيث يمكن اعتبار التطعيم الفكري عملية وقائية تهدف إلى حماية العقول من الأفكار المضللة أو المتطرفة بنفس الطريقة التي يحمي بها التطعيم الجسدي من الأسقام ليقود إلى مجتمع أكثر وعيا، تعاونًا، وفهمًا؛ خصوصا إذا تم التعامل بمعطيات منضبطة وواعية ومستوعبة للتطبيق الأمثل. وينطلق التطعيم من تعزيز ثقافة الفرد وتعلمه فكرة تقييم الأفكار والمعلومات بطرق موضوعية ومستقلة والتمييز بين الموثوق وغير الموثوق، وتكثيف الوعي والمعرفة بالتحيزات والمغالطات المنطقية التي قد تؤثر على عملية التفكير الناقد والفارز، والتنبيه لماهية آليات الجذب والتأثير، وتنمية القدرة على مقاومة الضغوط الإعلامية التي قد تحاول فرض توجهات معينة، وكذلك تشجيع النقاشات المفتوحة والحوارات البناءة التي تساعد على استكشاف الأفكار من مختلف الزوايا. ويبقى القول: بالرغم من أن سقف الوطن عالٍ جدا ولله الفضل والمنة ثم لقيادتنا الرشيدة ويقظة أجهزتها الوطنية، كما ندرك تماما أن لدينا من المناعة الفكرية ما يساعد على نشر الوعي وقيمة الاستيعاب، وأن الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية تدفع بقوة في اتجاه صناعة مناعة فكرية؛ ولكن بسبب تدفق المستجدات وتغير الوسائل وتنوع الطرائق فإن التطعيم الفكري حالة مطلوبة وضرورية وهي ليست عملية سهلة، ومن الجميل أن يتم تبنيها من قبل الفرد أولا ثم عبر بذل جهود مستمرة وتفاعل نشط مع مختلف المصادر والوسائل والأفكار تقوم به الجهات ذات العلاقة كتقديم نماذج إيجابية للتفكير النقدي المميز والتحليل العقلاني من خلال برامج تثقيفية وتوعوية وتعليمية تعزز قدرة الأفراد على التمييز، وتطوير مهاراتهم الفكرية.. ولعل أهم تغذية مرغوبة وفاعلة تعين بحول الله على تعزيز التطعيم هي ما يمكن أن تقدمه وسائل الإعلام والتواصل عبر موادها المرسومة والمعدة بصورة مؤثرة.