بمناسبة زيارتي لمحافظة الحريق الأخيرة التي أشعر أنها امتازت عن غيرها وتجاوزت مراحل الرضا حد السعادة، وسجلت ذكرى جميلة لن تنسَى، وكان لها أثرٌ بالغ، وانطباع لا يوصف، وخصوصا أنني بصحبة ثلة من الإعلاميين والكتاب الذين كانوا مهمومين بإيصال الرسالة الإعلامية نحو هذا الوطن وتحديدا هذا الجزء الغالي (الحريق) الذي يستحق منا زيادة جهد وكثير عناء، ولن أنسى في هذا الصدد جهود بلدية الحريق ورئيسها النشط الأستاذ فهد الدميخي وكذلك مهندس الزيارة الأستاذ على الدريهم بديناميته المحركة للمجموعة ودماثة خلقه وفيض صبره وأناة طبعة، ولأجل الوطن يهون كل شيء، وعودا على العنوان ولكي نقف عند مفهوم (الحفاظ على التوازن الثقافي) كعامل مشترك في تسليط الأضواء على مختلف الأماكن كون التوازن الثقافي هو ما يفرضه واقعنا الثقافي اليوم لراهن هذه المرحلة التي تتطلب منا ككتاب وإعلاميين أن ننفتح بوعي وننفسح أفقيا على كل المواقع السياحية على امتداد وطننا الغالي لنواكب رؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله وبالتالي ندرِج تلك الأماكن الأثرية والتاريخية ضمن المشهد الثقافي العام، لأن في تداول الآراء والأطروحات حول تلك المواقع كفيلة بان تُسهم في جوانب مختلفة ومنها لفت الأنظار إليها كمواقع مهمة نستشرف لها أفق المستقبل، وكذا حفز الباحثين والدارسين وخض رواكد معارفهم إلى تلك الأماكن ليعود وهج البحث والدراسة والتأليف، فهي بالضرورة عاكسة للتحولات التنموية التي طالتها من جهة حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين، وبما تحضى بها تلك المناطق من خدمات وبنية تحتية، فهي أماكن تستحق أن تكون ضمن دائرة الضوء وتستحق أن نتناولها بشيء من التغطيات الإعلامية وأن تقدم لها قراءة حسب ما يقتضيه واقع الحال، وهذه دعوة لكل المهمومين بالوطن على اختلاف تبايناتهم الثقافية ومستوياتهم المعرفية، وهي دعوة تتجه لكل بقعة في بلادنا الغالية على اتساع أماكنها واختلاف جهاتها وتنوع خصائصها وتشكلات بيئاتها الجغرافية والتي لاشك أنها تعج بالأماكن الأثرية والتاريخية والثقافية والحضارية، وهذا ما أعنيه بالتوازن الثقافي حيث أن بعض المواقع من خلال طبيعتها الجغرافية تمنحك حالة من الثراء المعرفي وأن تبايناتها الجغرافية موحية حد الوضع الفارق عن غيرها، وهذا ما يتطلع إليه كل سائح وزائر يطمح في التعرف على زخور المكان المختلف، إلى جانب ما هو فاعل من الناحية الثقافية من حيث بعض العادات والتقاليد والحرف التي يتجلى فيها العمق الثقافي واتساع القاعدة الاجتماعية وتنوعها في بروز بعض الشخصيات وما تفردت به من شعر أو حكمة أو طبائع نبل كالشجاعة والكرم وغيرها مما سيلهم السائح والزائر عن الوطن والإنسان السعودي، وهذا هو دور المثقف في تفاعله اليومي مع المواقع المنظورة ضمن مسارات بلادنا وقيمها وعاداتها وتقاليدها وطبيعة جغرافيتها المتباينة لأننا نمضي نحو المستقبل بخطى متوثبة أتاحتها منطلقات الرؤية بركائزه الثلاث ومع هذه النظرة الطموحة لن تُفقد معالمنا التاريخية والحضارية والجغرافية بعدها المعرفي والثقافي كقضايا وطنية هي اليوم أكثر إلحاحاً لراهن المرحلة، ولن تخيب طالما يتناولها الإعلام والصحافة وفق منظور عرفاني مستنير وتوازن ثقافي حصيف وفاطن.