يعد انتظار السعادة حالة نفسية يمر بها الشخص حيث يقوم بتأجيل الرضا في الحاضر، بل يميل البعض إلى تأجيل تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم إلى نقطة غير محددة في المستقبل. تتجلى هذه المشكلة في الاستمرار في تحديد شروط ومتطلبات لتحقيق السعادة، مما يؤدي في النهاية إلى تأجيلها بشكل مستمر وغالبًا ما يقضون حياتهم في الانتظار، ويعيشون حياتهم اليومية دون أي إحساس حقيقي بالهدف أو الاتجاه، ويشعرون بعدم الرضا وكأنهم عالقون في حفرة، كما يفتقرون إلى الحافز. تورث هذه الحالة الفرد شعوراً بأنه يعيش في حلقة مُفرغة من المسؤولية والضغوطات التي لا تنتهي "فتمرّ حياته دون أن يشعر بها حتّى وإن قام بتحقيق كل أو غالبية أهدافه، وينتج عنده شعور بالحسرة والندم على الوقت الذي فاته من حياته. قد تكون هذه الأهداف مثل تحقيق النجاح المهني أو الحصول على الثروة المادية. ومع أن بعض الأشخاص يحققون هذه الأهداف، إلا أنهم يظلون غير راضين وغير سعداء. فقد ينتابهم الشعور بأنَّ هناك متطلبًا آخر سيحقق لهم السعادة المطلوبة. هناك بعض الأشخاص لا يكفيهم ألم الحاضر بل هم يحتاجون لألم أكبر كي يتحركوا لإيجاد الحياة الصحيحة التي يريدونها، وهؤلاء نراهم في الكثير من المواطن الحياتية، كالوظيفة والزواج والعلاقات داخل منظومة الأسرة. هناك أيضا أشخاص لا يتصورون أن الحياة من الممكن أن تكون متعثرة في بعض مراحلها، فأي تعثر آني يعتقدون أن بعده الحياة ستقوم بتصحيح نفسها بنفسها دون بذل أي جهد منهم. أما البعض الآخر، فهم مثاليون جداً ويعتقدون أن كل البذل المطلوب غير كاف، مهما كان، للبدء في صناعة حياة مستقبلية جيدة. هناك عدة أسباب وراء فكرة تأجيل السعادة منها الثقافة التي نعيش فيها، حيث يتم تعليمنا أنَّ السعادة هي نتيجة لتحقيق أهداف محددة وليست حقًا يستحق الاستمتاع به ومنها تأثرنا بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تعرض لنا صورًا مثالية للسعادة والترف، وتشعرنا أنَّنا نعيش حياة غير كافية. ومنها تأثير العقل الجمعي منذ الطفولة من خلال إيهام الطفل بأنه سيرتاح ويستمتع بالحياة حين يكبر ويصبح منتجاً، ومستقلاً بقراره، قادرًا على الدراسة والعمل لتحقيق ذاته، قادرًا على الارتباط العاطفي حتى لا يكون وحيداً. ومنها مشاكل تقدير الذات والثقة بالنفس، حيث يشعر الفرد بعدم الاستحقاق لما حققه أو يملكه في الحاضر، ويسعى دوماً لتحقيق المزيد والمزيد كمحاولة لتعويض شعور النقص المزمن الذي يشعر به ومنها التركيز على المادية أكثر من الروحانية، حيث تصبح سعادة ومتعة الفرد مقترنة بالكم لا بالنوع، وتعتمد على ما يملك من المال والسلطة والشهرة، والتي عادة ما يكون لها أثر إدماني بعيد عن القناعة والرضى وأكثر تلك الأسباب تأثيراً هو نمط الحياة المتسارع حيث المتطلبات المعقدة، مما يخلف شعورًا وهميًا للفرد بأنه متأخر دائماً وبحاجة لبذل جهد أكبر وأسرع لمواكبة التغيّرات المستمرّة. للتخلص من هذه الغلطة، يجب أن نتخلى عن العادات السلبية التي تحتجزنا في دائرة التأجيل والقناعة بالانتظار. يجب أن نتذكر أن السعادة ليست وحدها نتيجة لتحقيق أهدافنا، بل هي حق يستحق الاستمتاع به في كل لحظة من حياتنا. يجب علينا أن نقدر الأشياء البسيطة، ونكون ممتنين للحظات الصغيرة التي تجلب السعادة الحقيقية. علينا أن نركز على الحاضر، وأن نحاول استغلال كل فرصة للسعادة بدلاً من تأجيلها ويجب أن نتذكر أن السعادة ليست وجهة نهائية تحقق بوصولنا إليها، بل هي رحلة تستمر طول العمر وإدراك سلبية هذا التفكير وزيادة الوعي الفردي والجمعي بأضراره والتركيز في تربية الأطفال على ضرورة الاستمتاع بكل فترة عُمرية، بغض النظر عن متطلّباتها، وتعديل مفهوم السعادة ليكون قراراً لا انتظاراً والتوعية الفكرية والدينية بضرورة الموازنة بين التركيز على الحياة الدُنيا والآخرة، لا أن تكون إحداهما على حساب الأخرى وعدم ربط تقدير الذات والثقة بالنفس بالإنجاز وحده، بل بالرضى بما هو موجود حتى لو كان قليلا نسبياً. على الشخص المثالي جدا أن يوظف صفاته "الميل نحو المثالية" فيما يصب في مصلحته مثل رؤية الإيجابيات التي يبني عليها حياة آنية جيدة". أما الإنسان الذي يميل للتأجيل من باب الاكتفاء بلذة الحاضر "فيحتاج لمهارة التخطيط أولا، ولمهارة تأجيل الإشباع الآني، والتي يلعب دورا مهما فيها العادات النفسية التي شكّلها الإنسان لذاته، فعليه تأجيل تلبية الرغبات غير الملحة لتتشكل لديه عادات نفسية جديدة. علينا أن نكون حكماء ونعيش الحياة بشكل يجمع بين الطموح والاستمتاع باللحظات الصغيرة، فقط حينها سنصبح قادرين على التغلب على جريمة انتظار السعادة واكتشاف السعادة الحقيقية في حياتنا. د. خالد جمال طه