ثار جدل بين شريحة من الأدباء والمهتمين بالأدب حول الاحتفاء الكبير بأحد الروائيين السعوديين في عدد من معارض الكتب العربية، والذي وصل إلى درجة إلغاء حفل توقيع كتابه بسبب التدافع بين جمهوره الذين توافدوا للقائه والحصول على توقيعه، الجدل كان بسبب الفن الأدبي الذي اختاره هذا الروائي وهو الفانتازيا والتشويق والغموض والذي يرى الكثير من الأدباء لدينا أنه لا يرتقي لمستوى الأصناف الأدبية الجادة والراقية. غير أن هذا الطرح والنظرة الدونية لتلك الأصناف الأدبية تكاد تكون حصراً على منطقتنا العربية، فعالمياً يحظى هذا الفن بالكثير من التقدير، بل يكاد يكون أكثر الفنون الأدبية حصدا لعدد القراء ومن مختلف طبقات المجتمع وأعماره، وبالتالي أكثر الفنون الأدبية أثرا في الجانب الاقتصادي؛ حيث يملك هذا الفن المرونة العالية لتحويره وقولبته في منتجات أخرى من خلال أعمال تلفزيونية أو سينمائية. التجارب العالمية التي تدعم وجهة النظر هذه كثيرة؛ إذ لمعت أسماء لروائيين احترفوا هذا الفن الكتابي وخلدهم التاريخ بسبب روايات الفانتازيا والغموض والتشويق، ومنهم الاسم الذي يعرفه الجميع أجاثا كريستي، السيدة الريفية الإنجليزية التي ألفت 66 رواية بوليسية و14 مجموعة قصصية، وابتكرت شخصيات مثل هيركيول بوارو والآنسة ماربل، الذين أصبحوا رموزًا في الأدب البوليسي، وتميزت رواياتها بالحبكات المعقدة والنهايات غير المتوقعة، ما جعلها من أكثر الكُتّاب مبيعًا في العالم، حيث تُقدر مبيعات منشوراتها بأكثر من ملياري نسخة، فيما تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 100 لغة. كذلك الأمر بالنسبة لآرثر كونان دويل، مبتكر شخصية المحقق الشهير شارلوك هولمز والكاتبة البريطانية جي. كي. رولينغ، مؤلفة سلسلة "هاري بوتر"، التي باعت أكثر من 500 مليون نسخة، ما يجعلها السلسلة الأكثر مبيعًا على الإطلاق، وتُرجمت رواياتها إلى أكثر من 73 لغة، وتم تحويلها إلى ثمانية أفلام ناجحة حققت إيرادات تجاوزت 25 مليار دولار. هذه الأرقام والنجاحات لم تكن لتتحقق لو كان مجتمع النقاد والأدباء ينظر للمشتغلين بهذا الفن الشعبي الممتع نظرة دونية، بطبيعة الحال من الممكن أن تقع تلك الأعمال تحت مشرط النقد حالها حال جميع الأصناف الأدبية، وأن توصم بالشعبوية وافتقارها إلى العمق النفسي، لكن لا يجب أن تنبذ وتعامل كفن دخيل لا يمت للأدب بصلة، بل على العكس، إذا وجد هذا الفن ومبدعوه أرضا خصبة وتشجيعاً لائقاً فقد يحقق الكثير من المكاسب الاقتصادية والثقافية والإعلامية.