تعد الكراسي البحثية في الجامعات منارات علمية متميزة ذات بيئات بحثية مؤطرة يكلف بها ويقوم على إدارتها علماء متميزون وباحثون متمرسون للقيام ببحوث رائدة في المجالات الطبية والهندسية والعلمية والإنسانية والاجتماعية والتقنية والاقتصادية، وهي وسيلة هامة من وسائل استكمال منظومات البحث العلمي في تلك المجالات العلمية الهامة لزيادة فاعليتها وتحسين قدرتها على الابتكار والإبداع والمنافسة ووضع مخرجاتها النهائية في خدمة المجتمع، ومن مهمات كراسي البحث استحداث كيانات بحثية في مجالات متميزة تحدد الأولويات البحثية وفقًا للاحتياجات الوطنية والمجتمعية على أن تسهم في الحصول على مخرجات بحثية من شأنها المساهمة في إيجاد حلول للقضايا المعاصرة وتستفيد من الخبرات العالمية في هذا المجال لتحقيق الشراكات العلمية مع قطاعات المجتمع المختلفة وتعمل وفقاً لآليات خاصة بها حفاظًا على حقوق المموِّل والجامعة وحرصًا على تحقيق أهداف الكرسي من أجل مواجهة التحديات القائمة أو نشر فكرة جديدة وتطويرها أو الوصول لمكتشف جديد، كما تهدف الكراسي البحثية إلى استقطاب أفضل الباحثين العالميين وتبني طلاب دراسات عليا (ماجستير-دكتوراه) مما يساعد في دعم وتطوير الأبحاث ونقل المعرفة وتوطين التقنية وتنمية جيل من الباحثين والمتخصصين وطلاب الدراسات العليا في المجالات العلمية والعملية والتدريبية المختلفة وتوفير البيئة الملائمة للبحث والتطوير واستلهام التجارب العالمية الرائدة بما يدعم التنمية المستدامة والاقتصاد الوطني. لهذه الأهداف والدوافع أنشئت كراسي البحث بجامعاتنا لتكون رائدًا للشراكة المجتمعية بين الجامعة وأفراد ومؤسسات وهيئات المجتمع بهدف تحقيق الريادة العالمية من خلال بناء مجتمع معرفي يتميز بالتخصص والإبداع والتطوير. إن المتطلع لسماء هذه الكراسي البحثية الرائدة ليجدها مليئة بكواكب من النجوم الساطعة والذين يزخر رصيدهم البحثي بمساهمات عالية النوعية غزيرة المحتوى في جوانب معرفية متخصصة. وتهدف كراسي البحث إلى دفع المعرفة في التخصصات ذات العلاقة دفعًا نوعيًا هامًا بالاعتماد على مجهودات ومساهمات المشرفين على كراسي البحث بالتعاون مع باحثين ذوي كفاءات علمية وبحثية عالية ورصيد معرفي ثري. كما تعمل برامج كراسي البحث على إنشاء ثقافة الابتكار وإذكاء روح الإبداع وتطويع البحث العلمي في خدمة التنمية والاقتصاد الوطني وتدعيم سبل التعاون بين كفاءات الجامعة من علماء وباحثين وإداريين أعضاء الفرق العلمية في الكراسي البحثية وبين مختلف مؤسسات المجتمع بما يسهم وبشكل جوهري وفعَّال في تطوير العمل البحثي وتنمية الفهم المعرفي. نحن الآن نشهد بفضل الله حراكًا علميًا وبحثيًا في رحاب جامعاتنا يتمثل في إحداث الكراسي البحثية وزيارات العلماء وميزانيات جديدة للأبحاث ومشاركة الكثير من الشركات الصناعية والبنوك والموسرين ورجال الأعمال في بلادنا في تمويل البحوث العلمية والنظرية والتطبيقية والتي ستسهم حتمًا بمشيئة الله في تحسين الصناعة وتطوير الاقتصاد ورقي المجتمع ورفاهيته، وهذه التبرعات الخيِّرة والإسهامات السخيَّة تجعلنا متفائلين بأن سيكون لها بعون الله قوة دافعة لتمويل الأبحاث العلمية وإخراج أفكار ونتاجات العلماء والباحثين إلى حيز الوجود. لذا فإنه تحقيقًا لهذه الآمال العريضة والغايات المنشودة فلا بد من تقصي طبيعة ونوعية البحوث التي يمكن دعمها وتوجيهها نحو الوجهة الصحيحة التي تخدم وتلبي احتياجات ومسيرات الخطط التنموية في المملكة، وذلك يتأتَّى من تلمُّس تلك البحوث من الإدارات والجهات المعنية وذات العلاقة والتي يمكن أن تفيد من تلك البحوث، كما يجب حثُّ الشركات والمؤسسات الصناعية ورجال الأعمال والجهات المعنية إلى المساهمة والشراكة في دعم البرامج العلمية وتمويل الأنشطة البحثية، هذا إلى جانب تسهيل الإجراءات المالية وإزالة العوائق الإدارية مما يسهل سير العمل في تلك البحوث ويُعظم جدواها وفاعليتها وإنجازها في الوقت المحدد لها. ومن الأهمية بمكان التنسيق والتكامل في إدارة ومتابعة أنشطة البحوث العلمية بين مختلف كراسي البحوث في الجامعات وبين تلك الجهات الداعمة والممولة لها التي يهمها تلك البحوث للإفادة منها وتطبيق ما يمكن تطبيقه من نتائجها ومحصلاتها، وأن لا تظل تلك البحوث دفينة بين الملفات وحبيسة في الأدراج، إذ من المعروف أن جهودًا كبيرة وأوقاتًا طويلة وأموالاً طائلة قد أنفقت واستثمرت في تلك البحوث ولا يجمل أن يكون مآلها ومصيرها إلى الإهمال والنسيان في نهاية المطاف. وفي هذا السياق يكون في ذلك تدعيم للتواصل بين الاختصاصات والاهتمامات وإيجاد مناخ صحي وسليم لتبادل المعلومات ونقل الخبرات والتعرُّف على أوجه وأساليب التقدم المعرفي والتطورات الحديثة في مجالات العلوم والتخصصات المختلفة، وهذه ظاهرة تكاد تكون موجودة في معظم دول العالم وبخاصة المتطورة منها، وهي سمة عصرية تمثل في حد ذاتها دليلاً للمستوى الحضاري ومؤشرًا للتقدم العلمي الذي وصلت إليه الأمم المتطورة في العصر الحديث. وأخيرًا، نحن في جامعاتنا بحاجة إلى دعم وتشجيع تلك الكراسي البحثية بشكل ينعكس بشكل إيجابي على تطوير أدائها وتحقيق أهدافها نحو توطيد الوشائج والصلات بين أعضائها ومنتسبيها والجهات الأخرى ذات الارتباط والاهتمام بها، وبذا تتظافر جهود تلك الكراسي العلمية لمجابهة التحديات المستقبلية وبخاصة ونحن نسعى حثيثًا نحو تحقيق رؤية المملكة المستقبلية الزاخرة بالمتغيرات والمفاهيم والرؤى المستجدة. * جامعة الملك سعود