لم أتوقع ردود الأفعال الكبيرة والمتفاعلة مع ما تم نشره هنا عن الهدر الدوائي، المسببات والنتائج، ثم الآثار السلبية على الاقتصاد الوطني، لقد أظهرت التغطية الخبرية التي قمت بها العديد من الجوانب التي تقف خلف ظاهرة هدر الدواء، التي تبقى مشكلة عالمية أيضاً، حيث وصل الهدر إلى 12 مليون طن في العام الواحد، فما بالنا لو تزايدت عمليات الإنتاج والتصنيع الدوائي؟ نعلم جميعاً أن المملكة من أكبر الأسواق العربية للأدوية، حيث يُتوقع أن تصل إيرادات هذا القطاع إلى 10.13 مليارات دولار في 2024، وتنمو إلى 16.8 مليار دولار بحلول 2034 بمعدل نمو سنوي مركب 5.2 %، حيث تنتج 30 % من احتياجاتها الدوائية محلياً، وتسعى لتوطين 40 % من الإنتاج عبر استثمارات كبيرة. وعالمياً، يُتوقع أن يصل حجم سوق التصنيع الدوائي العالمي إلى 184.9 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بزيادة تصل إلى 345.6 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 7.2 %. تلك الأرقام المذهلة لتطوير عمليات تصنيع الأدوية، سيتبعها بالضرورة عمليات هدر متضاعفة إذا لم نجد حلولاً لمشكلة الهدر الدوائي، التي يتشارك فيها أطراف متعددة. فإذا نظرنا إلى مسببات الهدر الدوائي التي أشار إليها الكثيرون، فقد أرجع البعض هذه المشكلة إلى إجبار "هيئة الغذاء والدواء" المصانع على توفير الأدوية في المستودعات المحلية، فيصبح المصنع مجبراً على تصنيع التشغيلة بشكل كامل والإنتاج بأكثر من المطلوب، ومن ثم تصبح هناك وفرة كبيرة في المستودعات فيحدث الهدر، ومن يخالف ذلك من المصانع تُصدر في حقه غرامات مالية كبيرة، وهذا من وجهة نظرهم. في الوقت الذي يطالب فيه آخرون أن يكون للمصنع حرية التصنيع بما يتناسب واحتياجات السوق، دون أن يتعرض لفرض غرامات عليه؛ لأن فرض إنتاج كميات زائدة يجعل من الصعب لديهم القدرة على تصريف هذا المنتج. فتَلجَأ بعض المصانع إلى الضغط على المستشفيات والصيدليات لشراء كميات كبيرة، فيصبح الدواء متاحاً بأكثر من احتياجات السوق فيحدث الهدر. إضافة إلى أن الصيدليات بدورها تضغط على التأمين الطبي ليوافق على صرف كميات كبيرة من الدواء للمرضى، في الوقت الذي تضطر فيه المستشفيات -نتيجة ضغط المصانع- أن تطلب كميات من الأدوية تزيد على احتياجاتها، فتتشابك المشكلة بين الضغط على المصانع، وضغط المصانع على المستشفيات والصيدليات، والضغط على الأطباء لصرف كميات تزيد على حاجة المرضى، فتضغط الصيدليات على التأمين الطبي حتى تحصل على موافقته، فيوافق التأمين حتى لا يخسر عملاءه من الشركات والهيئات. لم تكن تلك هي الأسباب جميعها، ولكن هناك آراء ألقت بالكرة في ملعب شركات التأمين. إلا أن أطباء رأوا أن شركات التأمين ترفض تغطية بعض المستلزمات المهمة، وكذلك بعض العلاجات، منها أجهزة قياس السكر التي ترفض شركات التأمين الموافقة عليها للمرضى، وكذلك إبرة الكورتيزون كعلاج للألم المزمن لمن لديه انزلاق غضروفي، في الوقت الذي يسمح فيه التأمين الطبي بصرف أدوية قد لا تكون مهمة. إن هذه المشكلة في تقديري تستدعي وقفة، وأن تكون هناك إجراءات، ربما ورشة عمل تجمع جميع الأطراف للنظر في مشكلة الهدر الدوائي وكيفية علاجها، لوقف نزيف ملايين الريالات والدولارات التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني، خاصة ونحن مقبلون على طفرة غير مسبوقة في التصنيع؛ لتغطية السوق المحلي، ومن ثم التصدير.