بين حكايات التأسيس والتوحيد، ومسيرة البناء والتطوير التي لا تنتهي، تبرز روابط ووشائج كثيرة تحكي تاريخ المملكة الممتد لأكثر من 300 عام، بما فيه من صفحات مضيئة وقصص مُلهمة، تبعث على الفخر والتباهي بعزيمة قادة وهمة شعب لطالما سعوا إلى تأسيس دولتهم، متجاوزين عقبات وتحديات عدة، ظهرت في الدولة السعودية الأولى ثم الثانية مروراً بالمملكة الثالثة. العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة تشع منه شعارات تعكس مزايا هذا التاريخ، ليس أولها «الشموخ والعزة»، وليس آخرها «الكرامة والتلاحم بين المواطن وولي الأمر»، وتاريخٌ هذه أوصافه يدفع القيادة الرشيدة إلى المحافظة عليه، وتوثيقه بطرق علمية، ليكون رصيداً ذاخراً للأجيال المقبلة، تستلهم منه العبرة والدرس في كيفية تأسيس الأوطان القوية، والمحافظة عليها، وهو ما يفسر إعلان دارة الملك عبدالعزيز عن إطلاق «مختبر التاريخ الوطني»، الذي يستثمر طاقات الشباب وتعزيز دورهم في توثيق التاريخ السعودي. فكرة المختبر رائعة وفريدة من نوعها، لأنها تمكن الشباب معرفيًا ومهاريًا، وتعزز المنافسة بينهم، وتدفعهم لتصميم منتجات رقمية إبداعية، ومبادرات اجتماعية مبتكرة، تخدم تاريخ المملكة وتراثها، وتحافظ عليه من التشويه أو التلاعب، وتعرّف به، يُضاف إلى ذلك أنها تعمل على تعزيز الهوية الوطنية السعودية، وتعميق الولاء والانتماء من خلال ربط المواطن السعودي بتراث بلاده وتاريخها العريق. يبقى الجميل والرائع في آليات «مختبر التاريخ» أنه يستنهض همم الشباب، ويحفزهم على تفعيل مهارات الإبداع والابتكار لديهم لخدمة التاريخ والتراث، من خلال مسارين رئيسين؛ الأول: مسار الابتكار الرقمي، والثاني: مسار الأثر الاجتماعي، مستعيناً بخبرات الأكاديميين والمتخصصين المهتمين بتاريخ المملكة، لدعم وبلورة الأفكار الجديدة، بما يضمن إنتاج محتوى نوعي، يسهم في الحفاظ على التاريخ والتراث الوطنيين للأجيال القادمة. التوثيق للتاريخ السعودي لن يتجاهل رؤية 2030 التي تعد مرحلة من مراحل تاريخ المملكة المعاصر، خاصة أنها تجمع بين أصالة وعراقة الماضي، وآمال المستقبل وتطلعاته، يضاف إلى ذلك، أن الرؤية استكمالٌ لخطط التنمية التي بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز، مرورًا بأبنائه -طيب الله ثراهم-، وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويكمن ثقل هذه الرؤية أنها شاملة تغطي المجالات كافة من اقتصادية وسياسية واجتماعية، بعكس خطط التنمية التي كانت تستهدف مجالات بعينها.