الإيجابية مصطلح شائع الذكر، ولا يكاد يمر على الواحد منا يومُهُ إلَّا وقد ورد ذكرها على مسامعه، والسؤال: هل أنت إيجابي؟ الشخص يستطيع التنظير لمن حوله ويسترسل في بيان أهمية الإيجابية، وتراه حاملاً فانوسَ الحكمةِ وهو يتحدث، إلّا أن تجربة واحدة يمرُّ بها صاحبنا الحكيم، تعود به إلى حقيقة نفسه، وأنّه حكيمٌ فقط حينما لا تكون المشكلة تعنيه. الإيجابية ضرورة لابد منها، ولا تلتمس أيها القارئ مما سبق أني لا أدعو للإيجابية، وكيف لي ذلك والله ربنا في الحديث القدسي أبان أنه عند ظن عبده به، ومن الظن أن ينظر الشخص بإيجابية إلى علاقته بربه، ويبين ربنا في كتابه أن الإيجابية في مفهومها التطبيقي والعملي أن ترى فيما تكره أنه خير "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم"، وأن لا تحزن وتبتئس لو عجزت عمّا تحب وعن نيل ما تطلب "وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم"، وخلاصة الإيجابية أن تعمل وتترك النتائج لله "والله يعلم وأنتم لا تعلمون". يقول محمود سامي البارودي: ولا تَبْتَئِس مِن مِحْنَة ساقَها القَضا إلَيْكَ فكَمْ بُؤْس تَلاه نَعِيمُ فقد تُورِقُ الأشْجارُ بعْد ذُبُولِهَا ويخْضرُّ سَاقَ النَّبْتِ وهْوَ هَشِيمُ انظر للحياة بإيجابية ولا تتشاءم، ولا تتنبَّأ بحدوث المخاوف ووجود المنغصات فيما حولك، لا تكن سلبيًّا يرى المشكلات في كل واقعة دائراً حول محور اللاتفاؤل، يقول إيليا أبو ماضي: قال: الليالي جرعتني علقما قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبًا وترنما ويقول مارك توين: "أنا رجل عجوز مررت بالعديد من المشكلات، التي لم يحدث أغلبها قط!" فتأمل هل تنطبق عليك هذه الجملة من مارك توين؟ وهل تتوهم معضلات لا وجود لها إلّا في عدساتك السلبية؟! أنا لا أدعوك إلى إيجابية منزوعة المشاعر، ولا يمكن أن أطالب بذلك، فقط أعطِ كل موقف من حياتك حقّه، اقلق وقت القلق، احزن لحظة الحزن، أخرج دمعة تكاد تكوي ما بداخلك كي ترتاح، واطمئن حينما تسكن نفسك، واسعد بكل شيء جميل حصل لك، وافرح بشمل العائلة الملتم وابتسامات أفرادها. قرأت مرةً عن قاعدة اسمها "five by five" والتي تقول: «إذا كان الموقف لن يؤثر على حياتك خلال الخمس سنوات المقبلة، فإنه لا يستحق منك أكثر من خمس دقائق حزن».