يرى آلان دونو في كتابه "ملخص التفاهة" أن مرض المال الذي أصبح ساترًا يخفي كل عيب، وفرض نفسه على ثقافتنا الحديثة كطريقة لحساب متوسط القيمة التي تعتبر الناقل الحقيقي للتفاهة، فالمال هو الوسيلة والهدف الأعلى، فقبل كل شيء، نحن نبحث عن هذه الوسيلة التي توصلنا لكل شيء". وهذا يقودني إلى تأمل ما حولي، ففي محاولات تتعثر أحياناً وتصيب أحايين أخرى يحاول فيها بعض من فئات المجتمع مواكبة المؤثرين الذين يحيطون بنا من كل اتجاه، فنحن غالباً نريد ما لدى الآخرين، والبعض على استعداد تام للدخول في تحديات مالية من ديون وغيرها فقط من أجل الحصول على ذلك. ولا يمكن إنكار أننا نحن أيضًا ماديون لأننا في حياتنا أصبحنا جدًا استهلاكيين، معتمدين كثيراً على المال بدلاً من أن نعيش أسلوب حياة أبسط لا يتمحور حوله، وفي مشهد الحياة نرى بعضاً من البشر لا يستطيعون العيش دون أن يقولوا "أحتاج" أو "أريد"، وهذا نتيجة تغذية الوحش بداخلنا وحش الرغبات ونزعة الاستهلاك، يقول الاختصاصيون: إن النزعة الاستهلاكية جعلت الناس ماديين للغاية، مما دفعهم إلى العمل الجاد وقضاء القليل من الوقت مع عائلاتهم، كل ذلك لأنهم يريدون المزيد من المال لشراء المزيد من الأشياء. ويقول المدافعون عن الثقافة الاستهلاكية: إن الناس يتخذون عمومًا خيارات مستنيرة بشأن العمل والأسرة، وإن "الخبراء" لا ينبغي أن يخبروهم كيف يعيشون حياتهم. الواقع أنني لست ضد الاستهلاك فهذه ديناميكية الحياة المعاصرة، ولكن أن تتمحور الحياة حول الرغبات بشكل أناني وكأنه كل ما يحتاجه الإنسان في حين أننا نحتاج حقًا أشياء مثل الحب واللطف والكرم، والتي لا يمكن شراؤها بالمال أبدًا. فعندما تشتري شيئًا جديدًا، تكون قيمة العنصر القديم أقل لأنك لم تعد تملكه، لذلك عليك أن تستمر في شراء المزيد والمزيد من العناصر حتى تشعر بالاكتمال في حياتك، فالكثير مما يفعله الشخص وما يقدّره ما يفكر به تعريفه في ثقافة الاستهلاك له علاقة بإنفاقه، حيث مفهوم ثقافة الاستهلاك تعني الحالة الاجتماعية والقيم والأنشطة التي تتركز على استهلاك السلع والخدمات. ومن منظور اقتصادي، يُنظر إلى الثقافة الاستهلاكية على أنها مجموعة من عمليات الإنتاج الرأسمالية مدفوعة بدافع الربح والبيع للمستهلكين. الحقيقة نحن نعمل بجد ونقضي الكثير من الوقت في التسوق عبر الإنترنت ولا نأخذ وقتًا كافيًا "لأنفسنا" للاسترخاء. كل من حولنا عالقون في هذه الحلقة المفرغة من العمل نحو هدف بعيد المنال، وهذا أدى إلى ربط السعادة بالاستحواذ على الأشياء المادية من خلال الاستهلاك غير السليم، في الواقع بمجرد حصولك على كل ما تريده.. لا تزال غير سعيد لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يجلب لك الرضا الحقيقي باستثناء الأشياء المعنوية. وفي عالم اليوم، نفتقر إلى عقلية الثقافة الاستهلاكية السليمة، إذ نتعرض للكثير من المغريات من إعلانات تزيد من شهوتنا نحو الاستهلاك كشراء سيارات جديدة وملابس عصرية وأحدث الأجهزة الإلكترونية وغيرها الكثير. فنحن نريد ما يمتلكه الآخرون الذين يلحّون علينا ويجعلوننا نشعر بعدم الكفاءة لأننا نقارن أنفسنا دائمًا بهم، ولكن ما الحل الذي ننشده وسط كل هذا الهدر الاستهلاكي؟ ووسط هذه التفاهة التي تزيّن وتبسّط كل شيء ليس له معنى؟ فعندما تغيب المعايير تغيب معها أشياء كثيرة، وتفريغ الأشياء من مسمياتها الحقيقية هي لعبة الاستهلاك، فكيف ننجو؟