تراجع مؤشر سوق الأسهم السعودية الرئيسة (تاسي) في نهاية شهر نوفمبر بأكثر من 3 % مقارنة مع افتتاح المؤشر في 1 يناير 2024 كما تراجع متوسط قيمة التداولات اليومية من 8.52 مليارات ريال في شهر يناير الى 6.35 مليار ريال في شهر نوفمبر وبنسبة تراجع بلغت 26 % حدث ذلك رغم المحفزات الكبيرة التي أوجدها الاقتصاد السعودي خلال هذا العام واستمرار الدولة في ميزانياتها التوسعية على المدى المتوسط، وارتفاع حجم الانفاق الرأسمالي في ميزانية الدولة الى 200 مليار ريال بالإضافة إلي الإنفاق الرأسمالي من صندوق الاستثمارات العامة الذي يصل إلى 150 مليار ريال، مع التركيز على المحتوى المحلي في المشتريات لتعظيم قيمة مبيعات الشركات المحلية، كما أن الحراك الاقتصادي الكبير كان من أهم أسباب زيادة الطلب على القروض البنكية مع انخفاض في معدلات تعثر القروض لأن الدولة أصبحت تدفع معظم مستحقات القطاع الخاص في مدة لا تتجاوز 15 يوما من تقديم المطالبة المالية، وانعكست تلك الإجراءات ونمو الاقتصاد السعودي في زيادة أرباح الشركات السعودية المدرجة، كما أن خفض أسعار الفائدة خلال الشهرين الماضيين ب 75 نقطة أساس لا شك أن أثره الإيجابي على الاقتصاد السعودي وتكاليف الإقراض سوف يكون واضحاً خلال الفترة القادمة، التوترات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية والدولية واستهداف جماعة الحوثي للملاحة البحرية والتي أثرت على الأسواق في المنطقة تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة مما يسهم في خفض مؤشر الخوف لدى المستثمرين، إلا أن أياً من هذه المحفزات لم تتمكن من دفع سوق الأسهم السعودية إلى الارتفاع وظل المؤشر خلال الأشهر الماضية في مسار أفقي وتراجعت شهية المستثمرين وانخفضت حدة المضاربات المفضلة لدى المستثمرين الأفراد، فما الأسباب التي أسهمت في تلك التراجعات؟ نعتقد أن السيولة كانت وراء تراجع المؤشر ولذلك سوف نتعمق أكثر في تحليل السيولة في الاقتصاد السعودي ومدي تأثر سوق الأسهم السعودية بما يحدث والتي أظهرتها أرقام تداول من خلال تراجع متوسط قيمة التداولات اليومية، نبدأ بسوق الصكوك والسندات والتي نعتقد أنها سحبت جزءا من سيولة سوق الأسهم حيث ارتفعت نسبة التداولات اليومية في شهر نوفمبر 192 % مقارنة مع قيمة التداولات في شهر يناير، أيضا الطروحات الأولية بلغت قيمتها 12 مليار ريال وارتفعت قيمتها بعد الإدراج إلى 16 مليار ريال، بالإضافة إلى الاكتتابات في حقوق الأولوية والتي بلغ إجمالي قيمة طرحها أكثر من 7 مليارات ريال، وكذلك بيع جزء من حصة صندوق الاستثمارات العامة في شركة إس تي سي والتي بلغت حوالي 3.9 مليارات ريال، السوق العقارية شهدت نمواً جيداً من بداية العام الحالي وبلغت قيمة الصفقات العقارية أكثر من 400 مليار ريال، أيضا الودائع الزمنية والادخارية جذبت أكثر من 107 مليار ريال من بداية العام حتى نهاية شهر أكتوبر لأن العائد المادي جيد والمخاطر منعدمة، كل هذه الأرقام مجتمعة تعطينا صورة كاملة عن تأثير السيولة على السوق المالية السعودية، والتي ظهر تأثيرها السلبي على حركة التداولات وعدم قدرة المؤشر على تجاوز نقطة 12 ألف رغم المحفزات الايجابية، ليس هذا فحسب بل إن أرقام استثمارات السعوديين في سوق الأسهم الأميركية اقتربت من 90 مليار ريال بنهاية الربع الثالث بنمو تجاوز 52 % عن الفترة المماثلة من العام السابق حسب بيانات شركات الوساطة المحلية هذا غير المستثمرين السعوديين الذين استثمروا أموالهم مع شركات الوساطة الدولية، وهذا يجعل هيئة السوق المالية السعودية أمام تحدٍ كبير لإعادة وهج سوق الأسهم السعودية وتقليل أسباب عزوف المستثمرين ودراسة طرق بديلة لتوفير السيولة منها تخفيض عدد الطروحات الأولية والاقتصار على الشركات التي لها قيمة اقتصادية كبيرة، ورفع قيمة الاستثمارات الأجنبية، وكذلك طرح حلول تمويلية للمستثمرين في سوق الأسهم، حيث إن قيمة التمويلات خلال الربع الثالث لم تتجاوز 19 مليار ريال وهذا المبلغ لا يتناسب مع حجم السوق السعودية الذي تتجاوز قيمته السوقية 10 تريليونات ريال، ولا شك أن هيئة السوق المالية السعودية كان لها دور كبير في تحسين بيئة الاستثمار من خلال إجراء تعديلات مهمة في الأنظمة والقوانين والحوكمة، وآخر هذه التعديلات ما صدر عن تداول في الأسبوع الماضي والتي تهدف إلى معالجة أثر تقسيم القيمة الاسمية لأسهم الشركات المدرجة، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة السوق من خلال تقليل قيود وحدات تغير السعر والتعديل على شرائح الأسعار في السوق الرئيسة والسوق الموازية باستثناء أدوات الدين بما يتماشى مع ديناميكيات السوق، وهو ما قد يسهم في زيادة جاذبية المضاربات.