مع بهجتنا بانطلاق قطار الرياض في رحلاته الأولى عبر شوارع هذه المدينة الأنثى الخرسانية العصية الخالدة التي لايتزوجها مقيم ولايطلّقها عابر، علينا أن نستعيد رؤيا القطارات في الثقافات الأخرى على مستوى القصائد والروايات وندرك يقينا أننا إزاء حدث نوعي يتجاوز مفهوم الخدمات العامة ليشكل أفقًا ثقافيا ثريّا ومكتظّا بالحكايات والمواقف والملامح، وأجزم يقينا أن نص الغد أيا كان جنسه الأدبي سيحتمل ويتحمّل هذه الثقافة الجديدة القديمة المتجذّرة في نصوص الآخرين. هذه هي الرؤيا العامة والتاريخية لثقافة القطارات أولى وسائل النقل ذات الوقود في العالم، لكنها اليوم تتنقّل بنا بين شوارع عاصمتنا نحمل من خلالها أحلامنا ودهشتنا بهذا الوطن الذي يتحدّث كل ساعة وينمو كل يوم، وبالتالي علينا أن نتماهى معها كثقافة جديدة ننطلق بها ومعها من حيث انتهى الآخرون بدءا بالمسمى (قطار الرياض) عوضا عن «مترو الرياض» وقد أشار الأستاذ الدكتور سعد البازعي في تغريدة له على منصة (X ) عن صراع محتمل بين المفردتين « قطار ومترو» وآمل أن تغلب اللغة العربية الهويّة «قطار» من خلال تكريسها اصطلاحا إعلاميا وتوعويّا. وثاني أشكال هذه الثقافة ما كنت قد أشرت إليه قبل حوالي عقد من الزمان عبر مقالة بعنوان «تشكيل الرياض» عبر هذه الصحيفة تزامنت مع بدء العمل في هذا المشروع العظيم الذي نحتفل اليوم بإتمامه وانطلاقه عن إمكانية استثمار محطات هذا القطار وبعض أنفاقه في تقديم جداريات تحمل في مضمونها تاريخ هذه المدينة العظيمة التي شعّ منها نور الوطن عبر رجالات عظام ضحوا بالغالي والنفيس ليكون وطننا اليوم ماهو عليه، والحقيقة أن في هذا جماليات عدة تتجاوز البصر للتفكّر والجغرافيا للتاريخ والمكان لأثره وعظمته وتأثيره، وأجزم أننا نملك فنانين كثر بإمكانهم أن يستثمروا مثل هذه الأماكن ليقدموا لنا رؤاهم الساحرة وانعكاس الرياض في أرواحهم على اختلاف مدارسهم الفنية. وثالث هذه الملامح الثقافية التي يمكن العمل عليها واستثمار الحدث فيها هو تعزيز القراءة عبر توفير مكتبات صغيرة في محطات القطار تحمل في رفوفها إبداعات أبناء هذا الوطن في شتى مجالات الكتابة فنعزز بذلك ثقافة القراءة عبر التنقّل وهي أكثر الثقافات تحضّرا وتميّزا ولعل لدى المعنيين بالأمر تنظيمات ملائمة لمثل هذا الفعل متى ما آمنوا به، وجعلوه أحد ملامح هذا الحدث المدني. وبعد كل هذا أجزم أن هناك الكثير من الرؤى التي يمكن طرحها تزامنا مع هذا الحدث الكبير، لعل أهمها الأدوار التوعوية التي يمكن أن تتكفل بها وزارة التربية والتعليم لتعليم النشء وتدريبهم على كيفية المحافظة على الممتلكات الخاصة بهذا القطار محطاته وقاطراته والحرص الكبير على نظافتها والعناية بها كشكل حضاري يعكس وعي مجتمعنا اليوم. هنيئا لنا بوطننا وما يبلغه اليوم من تنمية وجودة حياة ضمن رؤية تنموية واعية نقطف ثمارها كل يوم... فاصلة: كلنا للرياض نحرّك عقربَ ساعتنا باتجاه شوارعها ثم نوشك بالظل قبل الغروبْ، لا تكمّم فمي إنها مئزر الوقت تحمل قنديلها راعشاً في الشتاء لتدفئ أوردةَ الصبر فينا وتنتعل الريح خاتمها شاعر جاء من غير وعدٍ بها ثم حكَّ فراء قصيدته واستوى للبياضْ. لا تكمِّمْ فمي.. أول الشعر أنثى وآخره بقعة زوجوها الخزامى؛ فجاءت لنا بالرياض.