إن الإنفاق الحكومي من أهم مكونات إجمالي الناتج المحلي في أي اقتصاد في العالم، فزيادته تؤدي إلى ارتفاع الطلب الكلي على السلع والخدمات كميًا ونوعيًا من خلال التوجيه وتحسين كفاءة وفعالية عمليات إدارة الإنفاق العام، مما يؤثر إيجابًا على نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ويزيد من مرونته الاقتصادية في ظل تقلبات أسعار النفط والظروف الجيوسياسية السائدة. إن استخدام الأدوات المالية المرنة يتفاعل إيجاباً مع التغيرات والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، وسيكون له أثراً على استمرارية نمو الإيرادات غير النفطية وتحسن إدارة الدين، مما يدعم ميزان المدفوعات ومشاركة القطاع الخاص في جميع مراحل النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للمواطنين. إن رفع كفاءة الإنفاق وتنويع الإيرادات، سيقلص عجز الميزانية ويحقق نقطة التوازن المالي، نحو الاستدامة المالية والمزيد من الفوائض مستقبلاً، مع ثبات قيمة الدين العام على المدى المتوسط وتقلصه على المدى الطويل. ولذا أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته عن ميزانية 2025 الثلاثاء الماضي، أن الحكومة ملتزمة بتعزيز النمو الاقتصادي عبر التوسع في الإنفاق الحكومي، وأهمية الدور الذي يقوم به صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني في دعم استقرار الاقتصاد وتنويعه من خلال دعم المشاريع الاستراتيجية ذات الأولية ومنشآت القطاع الخاص وتحقيق التنمية الشاملة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة متسارعة وسيكون أسرع ثاني نمو بين اقتصادات مجموعة العشرين بمعدل 4.6 % العام المقبل، مدفوعًا بنمو مساهمة الأنشطة غير النفطية بنسبة 52 % خلال النصف الأول من العام الجاري، وأن تنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7 % بنهاية 2024، ويصل حجم الناتج المحلي الاسمي إلى 4.1 تريليونات ريال أو 1.1 تريليون دولار. إن هذا الإنفاق السخي والسياسة التوسعية بمقدار 1.285 تريليون ريال مقابل إيرادات بمقدار 1.184 تريليون ريال في ميزانية 2025، سيكون معززاً للمدخلات الأساسية والوسيطة ومعظماً للمخرجات الاقتصادية والاجتماعية نحو اقتصاد متنامٍ وتنمية مستدامة، وجودة حياة جاذبة نحو المزيد والتقدم. لهذا استطاعت المملكة تحفيز الاستثمارات المحلية وجذب مليارات الريالات من الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 21.2 مليار ريال خلال النصف الأول من عام 2024م، وسنشهد المزيد منها في السنوات والعقود المقبلة. إنها ميزانية النمو والتنوع الاقتصادي واستغلال الميز النسبية المتاحة والمكتسبة والفرص، وتوطين التقنية والذكاء الاصطناعي والمعرفة الاقتصادية في مسار الثورة الصناعية الرابعة. والتي من أبرز ركائزها الاستمرار والدفع أماماً نحو تعظيم الإيرادات غير النفطية والتي نمت تراكمياً بمعدل 146 % من 186 مليار ريال في 2016 إلى 458 مليار ريال في 2023، وبمعدل 154 % إلى 472 مليار ريال في 2024، و38.4 % من إجمالي الإيرادات التقديرية لميزانية 2024، وستصبح مستقبلاً قائدة للإيرادات الحكومية بعد أن كانت الإيرادات النفطية هي القائدة لعقود طويلة. ونتيجة لهذه الإنجازات وتقدم المملكة المستمر في تنويع اقتصادها ونمو الأنشطة غير النفطية المتصاعد، والذي سيقلل ارتباط الاقتصاد والمالية العامة بتطورات سوق النفط، وتبني سياسات مالية تدعم الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي واستدامة الدين العام، رفعت وكالة موديز (Moody's) تصنيفها الائتماني للمملكة إلى (Aa3) بجدارة ائتمانية عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية في 22 نوفمبر 2024. كما أن وجود البيئة الآمنة والمستقرة ستجذب المزيد من الزوّار وإقامة المؤتمرات والمعارض العالمية، وما استضافة المملكة لإكسبو 2030 وكأس العالم 2034، إلا شاهدان على إنجازات رؤية 2030.