كنا زملاء التقينا أولاً على المحبة والإخلاص في عضوية مجلس الشورى خلال دوراته الثلاث الأول، ثم انتظمنا في مجموعة اجتماعية متآلفة رعاها واحتضنها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي منذ تأسيسها خلال السنة الأولى لمجلس الشورى عام 1414 /1415ه إلى أن توفي يرحمه الله بتاريخ 27 /11 /1440 ه، وبعد ذلك استأذنت زملائي في استقبال لقاءاتها وتفضلوا عليّ بذلك، وهي تضم مختلف التخصصات الإدارية والعلمية والاقتصادية وغيرها، كما تضم من تسنم مناصب إدارية مهمة، منهم الوزراء ونواب الوزراء بعد انتهاء عضويتهم في المجلس، وتضم المجموعة فيمن تضم رجل الأعمال الوجيه الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن الزامل الذي تفضل بدعوة المجموعة لزيارة مدينة عنيزة، وهي دعوة استقبلناها بالترحيب نحن السبعة عشر عضواً، وسافرنا برفقته في وسيلة نقل واحدة كانت حافلة فخمة وفرها بكل أريحية وبقيت معنا طوال الرحلة التي بدأناها صباح يوم الخميس الموافق 19 /5 /1446ه، واتجهنا مباشرة إلى مقر إمارة منطقة القصيم في بريدة للسلام على صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم، حيث سعدنا بالسلام عليه وإمضاء وقت ممتع مع سموه في تبادل الأحاديث حول مختلف الشؤون لاسيما إشادة سموه بالدور الذي يقوم به مجلس الشورى في دعم مسيرة التنمية الوطنية، ثم توجهنا إلى مدينة عنيزة وإلى مقر الإقامة المعد والمجهز بكل ما يلزم من وسائل الراحة في مزرعة الزامل الزاخرة بكل ما يسر الناظر من مختلف الأزهار والأشجار، ثم واصلنا فعاليات رحلتنا بزيارة سوق المسوكف الجميل المنظم الحافل بنماذج من مختلف الصناعات والحرف اليدوية الوطنية التي كانت تشتهر بها المنطقة عموماً، بعد ذلك انتقلنا إلى جادة النخيل التي تعد مصدر فخر واعتزاز لعنيزة وأهلها حيث الإبداع في تحويل مزارع النخيل ذات الطول المتناهي التي ربما كانت مهملة إلى طرق مرصوفة بعناية تغري بالمشي والتجوال وتعج بالمقاهي والمطاعم المتنوعة من كل صنف ولون، وهو مايعدّ نجاحاً لأهل عنيزة، زاد منه ما علمنا من أن هذا المشروع المتناغم في تخطيطه وتنظيمه قد نجح في استيعاب وتوظيف أعداد كبيرة من المواطنين والمواطنات من أبناء المنطقة، وهو في مجمله سبق لأهالي عنيزة وحدهم أتمنى أن تستفيد منه محافظات المملكة الأخرى التي يوجد فيها مزارع نخيل قد تكون مهملة، وكان ختام يومنا هو زيارة (دار عنيزة للتراث الشعبي) وحضور حفل سامري عنيزة المحبب والفريد في ألحانه ونغماته وألحان مبدعيه. أما اليوم الثاني من الزيارة فقد بدأناه بزيارة متنزه عنيزة الوطني الذي يقوم على مساحة واسعة من الأشجار وأماكن الاستراحة والتنزه وسط تغريد الأطيار، إلى جانب التنظيم، وهو ما ينعم به سكان عنيزة وغيرهم من قاصدي المتنزه، وبعد ذلك قمنا بزيارة مشروع المواطن فهد العوهلي للأسماك، وهو مشروع يعد في مجمله عنواناً للصبر والمثابرة والكفاح، حيث استمعنا إلى شرح مفصل من صاحب المشروع حول المراحل والخطوات الكثيرة الشاقة التي اتبعت في إنشائه وتطويره قبل البدء في جني ثماره، وكان من توفيق الله لصاحب المشروع أن أنشأ مشروعاً مصاحباً لإنتاج الخضراوات بطريقة الزراعة المائية شاهدنا عينات ونماذج مدهشة منه على الطبيعة، وكان ختام زيارتنا أن استضافنا الأستاذ العوهلي -أغناه الله من واسع فضله- على غداء غني بما لذّ وطاب من الأسماك، وفي مساء ذلك اليوم كانت لنا زيارة لمخيم البلدية حيث زارنا فيه المؤرخ القدير الدكتور أحمد البسام، وزادنا خيراً على خير من خلال محاضرته القيمة عن تاريخ بريدة. وفي يومنا الثالث والأخير من الزيارة زرنا أولاً (مدينة عنيزة الإنسانية) وهو بحق اسم على مسمى حيث تضم مدارس ومصحات ودور حضانة ورعاية ومبرات يأوي إليها كل محتاج من ذوي الهمم على اختلافهم، من أهالي عنيزة أو من غيرهم، حيث حضرنا وشاهدنا مجموعات منهم أثناء تلقيهم دروسهم وتدريباتهم وكيف يتجاوبون ويتفاعلون مع أساتذتهم ومدربيهم وفق ما يجيدونه من الطرق والأساليب التي تعلموها وأتقنوها، وكان من دواعي تقديرنا وإعجابنا ما علمناه من أن كل تلك الأنشطة التعليمية والإجراءات العلاجية قد تبرع بها القادرون من أهالي عنيزة،سواء كانوا مقيمين فيها أو خارجها، نسأل الله أن يجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم، وكان خاتمة زياراتنا ومشاهداتنا هي زيارة (مركز القصيم العلمي) الذي تمت إقامته على مساحة بلغت خمسين ألف متر مربع بمبادرة وطنية من أهالي المحافظة بالمشاركة مع وزارة التعليم، ودعم سخي من أسرة الزامل الوفية خدمة للعلم وطلابه، جزاهم الله عن ذلك خير الجزاء، ومما هو جدير بالذكر أن المركز أنشئ منذ خمسة وثلاثين عاماً، وهو يعد أحد المراكز العلمية النموذجية على مستوى الشرق الأوسط، والأول من نوعه في المملكة، كما يعد حاضنة لعلماء المستقبل، ومن فوائده تحسين بيئة التعليم وتطوير أساليبه، ويعمل المركز من خلال سندين هما: واحة حمد عبد الله الزامل، وأكاديمية محمد الشبيلي العلمية. لقد كانت زيارة في غاية الفائدة والمتعة فضلاً عن متعة التنقل في طقس القصيم البديع أثناء الزيارة، فشكراً مستحقاً للداعي والمستضيف. والله من وراء القصد.. * الرئيس الأسبق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد بن عبدالله الشريف