يمر الدواء برحلة طويلة ومعقدة، منذ اكتشاف مواده الفعالة وحتى الوصول إلى جسد المريض، رحلة شاقة قد تمتد إلى سنوات عديدة وتكلف مبالغ طائلة، ويشارك فيها مئات العلماء والمختصين. تبدأ القصة من فهم المرض المطلوب البحث عن علاجه، عبر إدراك كيفية حدوث المرض على المستوى الحيوي والجزيئي في الجسم، ثم تحديد الهدف العلاجي: من بروتين، أو إنزيم، أو جزيء معين له دور في حدوث أو تطور المرض. لتبدأ الرحلة الأطول وهي البحث عن المركبات المحتملة، وهذا يتم عبر عدة وسائل أشهرها الفحص العشوائي، واختبار آلاف المركبات الكيميائية، لمعرفة مدى تأثرها على الهدف العلاجي، أو "التصميم العقلاني للأدوية"، عبر استخدام تقنيات الحاسوب لتصميم جزيئات ترتبط بالهدف بشكل محدد، وهو ما تطور مؤخراً باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والثالث هو الاستفادة من المواد الفعالة في المنتجات الطبيعية، سواء في النباتات أو الكائنات الحية الدقيقة. بعد الوصول إلى عددٍ منتخب من المركبات الواعدة، تبدأ مرحلة "التطوير قبل السريري"، وهي اختبار الفعالية، عبر فحص المركب في المختبر وعلى الحيوانات، لمعرفة تأثيره على المرض، أيضاً دراسة سميّة المركب، ويرافق ذلك تسجيل براءات اختراع المركب. ثم المرحلة الأهم وهي التجارب السريرية على البشر، وهي ما يتم على عدة مراحل، الأولى: اختبار الدواء على عدد ضئيل من المتطوعين الأصحاء لتقييم السلامة، ثم المرحلة الثانية: اختبار الدواء على مرضى لتحديد الجرعة المناسبة ودراسة فعاليته، ثم لمرحلة الثالثة: تجارب على نطاق واسع لمقارنة الدواء بالعلاج القياسي "نفسه" أو بدواء وهمي. بعد استكمال التجارب، تتقدم الشركة المبتكرة بملف ضخم للدواء، للحصول على الموافقة من الجهات التنظيمية، مثل إدارة الدواء والغذاء في الولاياتالمتحدة الأميركية، والوكالة الأوربية للدواء في دول الاتحاد الأوربي، والهيئة العامة للغذاء والدواء هنا في المملكة العربية السعودية. ثم بعد الحصول على ترخيص الدواء وتحديد الاستطبابات والجرعات، يُصنع الدواء بكميات ويصل إلى الصيدليات، بعد أن يكون قضى ما لا يقل عن عشر سنوات وأكثر من الأبحاث والدارسات. التحدي الأكبر هو التكلفة، والتي تصاعدت خلال العقود الماضية، وأمست تتجاوز المليار إلى ملياري دولار، مثل دواء "كيترود" لعلاج السرطان الذي كلف تطويره ملياري دولار، ودواء "سوفالدي" لعلاج التهاب الكبد الوبائي سي كلف حوالي 2.6 مليار دولار! ولكن رغم هذه التكاليف الباهظة، إلا أن الأدوية الناجحة تحقق عائداً ضخماً، وبالذات حينما تكون تعالج أمراضاً شائعة أو مزمنة. النجاح في صناعة اكتشاف وتطوير الأدوية يتحاج تطوير بيئة متكاملة، بداية من الاستثمار في رأس المال البشري من العلماء والمختصين، تطوير الجامعات ومراكز الأبحاث، تحفيز شركات الأدوية، تطوير التنظيمات والتشريعات الرقابية.