جاء في كتاب "صناع النجاح" للمؤلف ديريك ثومبسون أسئلة عميقة تحاكي ما نعيشه بواقعنا الذي للوهلة الأولى يبدو مشوشاً وفوضوياً في حين أن قواعد اللعبة اختلفت، طرح ثومبسون تساؤلات كثيرة في هذا الكتاب من ضمنها كان السؤال الأكثر رواجاً حيث يسأل: ما الذي يجعل أغنية تنجح بتفوق وأخرى تبوء بالفشل الذريع؟ ما الذي يتسبب بنجاح كتاب ما بينما يُلقى آخر في سلال التخفيضات؟ هذا هو اللغز الذي يسعى ديريك ثومبسون إلى حله في هذا الكتاب من خلال استقصائه وتحليله لهذه الظواهر التي ليست بالجديدة ولكنها اختلفت في عصر السوشيال ميديا وفي عصر الاقتصاد الثقافي. الواقع أن النجاح لا يرتبط بجنس أو نوع أو مكان وهو ليس للأشخاص الأذكى بل لمن يُصرّ ويصمم على أن ينجح بغض النظر عن التحديات التي يواجهها، تجذبني القصص الخارجة عن المألوف التي يتميز أصحابها بعناد شديد وإصرار ثابت لتحقيق ما يريدون حتى لو عاكسوا التيار، وهذا حال الناجحين في الحياة، فكل إنسان يطمح أن يكون ناجحاً ولكن لا يعرف كيف يبدأ، قد لا تتوفر له ظروف مناسبة، أو لا تكون لديه الشجاعة الكافية ليعمل ما يريد أو ما يحب، والأكيد أن كل إنسان يحتاج لشخص واحد فقط يتحدث معه يوجهه ويرشده، يقول له أسراره، يكشف له عن ضعفه، قوته، تفاصيله، طموحاته وشغفه، شخص تحدثه عن شكل القمر، وتشتكي له من زحمة الشارع، وحرارة الجو، تحكي له عن طموحاتك دون أن يضحك أو يستهزئ بمشاعرك وشغفك، ولكن قبل كل شيء يجب أن تؤمن بنفسك، وتتعرف على حدود قدراتك ومواهبك الحقيقية، وليست مواهب مفتعلة ووقتية من أجل لفت الانتباه أو الشهرة، أنت لا تحتاج لموقف يهزك لتخرج أفضل ما لديك مثل ما حصل مع الكاتب أنتوني برجيز عندما أصيب بهبوط وهو في قاعة الدرس أمام طلابه واكتشف أنه مريض بالسرطان وأخبره الأطباء أن أمامه سنة واحده ليعيش، لذلك فكر في دخل لعائلته يستمر بعد مماته وكان عمره وقتها 43 سنة، وقرر أن يكتب قصصاً وروايات، وحين انتهت مهلة العام، كان أنتوني قد انتهى من تأليف خمس قصص ونصف، لكنه لم يمت، وعاش حياة مديدة حتى وفاته عن 76 عامًا، وقد ألف أكثر من 70 قصة ورواية، ونشر ما لا يحصى من المقالات الصحفية، ولولا الأزمة التي تعرض لها لم يكن ليكتشف موهبته في الكتابة والقص، والشاهد أن تتعرف على تجارب الغير، فهي محصلة كبيرة لما يمكن أن نقدم عليه. وقراءة التاريخ هي النافذة التي نطل منها على مستقبلنا، وفي كتاب "أيام لها تاريخ" لأحمد بهاء الدين يقول: "إن الميزة الأولى التي تُميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، هي أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل الذي سبقه ويستفيد منها وأنه بهذه الميزة -وحدها- يتطور"، فالإنسان الناجح هو الذي يستفيد من التجارب ويطورها بطريقة خلاقة تجعله يبتكر شيئاً جديداً مغايراً للمألوف، فلا يوجد إبداع دون ثراء معرفي وعقلي وقدرات عميقة في التحليل والرصد والتفسير والتنبؤ.