قلوب تحمل الحُب.. وقلوب تحمل الكراهية والحقد الذي يأكل سويداء القلوب، أصبح الود والحُب عند البعض مجرد كلمة تخلو من نكهة صدق المشاعر، ما نكتبه ليس من باب الشؤم ولكن ما نسمعه ونشاهده من تقلبات وتناقضات، متى نصل إلى يوم نقول فيه لمن نحب: إننا نقدر فيك، أيها الصديق! أيتها المرأة! أيها الأخ! أيها الابن! أيتها البنت! يا مثلي الأعلى في الأخلاق، وشريكي في الإنسانية، نبل موقفك وإخلاصك في علاقاتك، ونجاحك في مساعيك، وجديتك في العمل، ومسؤوليتك نحو الآخرين يزداد مع تقدم الزمن، عدد الذين يتساءلون: لماذا لا نتحدث عمن نحب بالاندفاع والحماس نفسه الذي نتناول فيه من نكره؟! وهل فسد بعض الناس مع تقدم الزمن وتطور المجتمعات؟ الجواب عن هذا التساؤل المشروع قد يبدو بسيطاً وميسوراً للوهلة الأولى، لكنه في منتهى التعقيد والتشابك والدقة، لأن النفس البشرية التي تتكون وتتبلور المشاعر والعواطف والأحاسيس فيها نسيج متشابك من الطموحات والمصالح، وفيها تتضارب وتتعارض المكونات الشخصية مع الأرضية الاجتماعية المتأرجحة والكابحة لحرية الأفراد في التشكل والتبلور وفق مشيئتهم ورغباتهم وهواجسهم وأهدافهم. الحب والكراهية درجات ومستويات، ولكل مستوى ودرجة شكل من التعبير والتجلي، وللمحبة فتنتها، فهي غاسلة للقلوب، مطهّرة للأنفس، مزيلة لما علق بها من أدران الغيرة الحمقاء، والحسد المؤدي إلى الحقد البغيض (الحقد الذي يأكل سويداء القلوب). يعتقد الكثيرون أن الناس في الأزمنة الماضية كانوا يحبون بعضهم أكثر، أما اليوم فقد فسد البعض من الناس وتغلفت قلوبهم بصدأ المصالح الآنية الضيقة، متجاهلين أن القضية ليست متعلقة بالزمن الجميل، والماضي العريق، وإنما بما تقود إليه شراهة حب التملك البغيض. المسألة إذاً ليست في النفس البشرية ومكوناتها، ولا بالعواطف ومحدداتها، وإنما هي من مخرجات الوضع المجتمعي، والمنسوب الثقافي، وضريبة التقدم التقني، وشيوع نمط حياة الاستهلاك، وبالتالي الغايات التي يرسمها الناس لحياتهم، لأن الناس كما هو معروف، يتحددون بالأهداف التي يضعونها أمامهم وبالوسائل التي يستخدمونها للوصول إليها. الأوضاع الاجتماعية التي يسودها النفاق والانتهازية والمراءاة، وتقاس فيها قيمة الإنسان بما يملك، مادياً ومعنوياً، تنتج أنفساً مريضة، بطرائق تفكيرها وأنماط سلوكها، التي تتواءم مع الحالة المجتمعية السائدة، وتصبح النفس فيها فريسة للجشع ونمو الكراهية، والكيد بالآخرين. أما الأجواء الاجتماعية السوية المعافاة، القائمة على أساس من التنافس الحر الخلاق، واحترام المهارات، والخبرات المتراكمة، وتساوي الناس في الحقوق والواجبات، وسيادة القانون، والعدالة الاجتماعية، واحترام كرامات الناس، فتعطي ثماراً يانعة، من أنفس تبلغ أقصى درجات النقاء، وتتجلى فيها أطيب المشاعر، وتظهر الأخوّة والتعاطف والإيثار. مسألة الحب والكراهية، ليست شخصية فردية، وإنما هي ذات منشأ اقتصادي اجتماعي، ثقافي، يكتسي لبوساً فردية. المحبة مقابل الكراهية، والتعاطف مقابل النفور، والصدق في مواجهة الكذب والرياء، والمبدئية في وجه الانتهازية واقتناص الفرص والنيل من الآخرين. من العبث أن نطلب من الناس أن: أحبوا بعضكم بعضاً، ونَقّوا أنفسكم من الأدران.. الأجدى والأنفع أن نطهّر المجتمع، ونحسّن التربة، ونجتث الأسباب التي تقود إلى الظواهر البشعة والضارة بالفرد والمجتمع، ومن أهمها: جشع التملك، الذي يتعارض مع جوهر الشخصية الإنسانية، التي كانت في طفولتها الأولى، بعيدة عنه، فكلما ازداد حب التملك لدى الناس، قلت لديهم فرص تحقيق إنسانيتهم، وتعاظمت عندهم رهبة الموت. متى نفرح لإنجازاتهم وكأنها مكاسب شخصية لنا، وليست عوائق أمام تقدمنا؟ فالذي لا يبتهج لمنجزات غيره، من الصعب أن يلامس حقيقة الفرح. ومتى نخرج من دوامة المكاسب الصغيرة التي نغوص في مستنقعها، فتجرنا إلى زيفها، وتجرفنا مع تيارها؟ فنحن بحاجه ماسه إلى العدالة والصدق في المحبة ونبذ الكراهية. محمد بن أحمد الناشري