ينفرد كتاب بطن الحوي للأستاذ عبدالعزيز بن سليمان آل حسين بلمحة وامضة عن لهجات أهل الرياض وما حولها من البلدات المجاورة، وبفتائل من نور أضاء مرحلة ماضية ومهمة من حياة أهل نجد، ويشي الكتاب بالتقارب بين بعدي الزمن الماضي والحاضر ويمتد إلى المستقبل انطلاقاً من مرحلة التغير التي ترصد أحداث إرثنا الثقافي وتتابع مراحله بعناية لاسيما بعد أن أولت رؤية المملكة 2030 اهتماماً بارزاً بالإرث التاريخي والثقافي، الكتاب محتواه ثري ومغنٍ جداً نظراً لكونه تطرق لجوانب مختلفة من إرثنا الحضاري والتاريخي والثقافي وتميز عن غيره في هذا الاتجاه وتحفه استجابة ورضا من قبل القارئ الكريم وباستساغة وكذا قناعة تامة فلا يكاد يقرأ عنوانه المثير واللافت للانتباه حتى تدلف إلى معرفة محتواه ومن يقف بوعي على مفرداته ومعانيها فلا يشعر إلا وهو يتناول متوالياته من الحِكم والأمثال ومسميات الأمكنة وكذا أنواع الأكلات والألبسة والمنسوجات التي يتضمنها الكتاب إلى جانب العديد من العادات والتقاليد التي كانت مسيّجة بالنبل والعطاء وحالات الآثار والسجايا العظيمة مما يؤكد أن الكتاب يُعد إضافة فكرية ومعرفية جدير بنا أن نعرفها ونقف عليها كونه يجعلك تعيش البعد الثقافي بكل أبعاده إلى جانب أنه أتاح للقارئ معرفة اللهجات المتداولة من ماضيها وعن كثب وهذا من وجهت نظري متطلب لراهن المرحلة لمعرفة تلك الحقبة من الزمن للمفردة المستعملة عند أهل الرياض، وقد اختار المؤلف هذا العنوان (بطن الحوي) لإيصال مصطلح قديم تواضع الناس على اسمه وهو وسط البيت ليكون منطلقاً لمتواليات أخرى في رواق البيت الواسع بمسمياته المختلفة والمتعددة، فالكلمات والأمثال والأدوات الزراعية وغيرها التي وظّفت في مضمون هذا الكتاب مع شرح وافٍ لمعناها كانت منتقاة بعناية من واقع متداول بين أغلب الأسر النجدية في ذلك الوقت وتعبر عن دلالة ومعنى وتفسح مجالاً معرفياً كان متداولاً في المجتمع وفي اتجاه أفقي طال مستويات بصرية وأخرى فنية اقترنت بجماليات متنوعة وتعبر عن واقع معاش في مرحلة من تاريخ منطقة الرياض، واللغة في مجملها اتفاق وتواضع بين الناس فالكتاب يعكس خبرة المؤلف باللهجات النجدية وكذا قدرته لجمع مثل هذه المفردات والمصطلحات التي تمثل الحياة اليومية في تعاملات المجتمع ليطال بشمولية المساحة الاجتماعية الواسعة لكل شؤون حياتهم مما أسهم في رسم المشهد الثقافي برسم دقيق اعتمده مؤلف الكتاب في أسلوب منطقي متسلسل للمواضيع دون استغراق ممل للأنساق الثقافية المطروحة تاركاً للقارئ نسقاً اجتماعياً لفترات زمنية قديمة تدل على إرث حيوي ثقافي لزمن الطيبين، الأمر الذي سوف يترك أثراً عميقاً في جيل تلك المرحلة بارتدادهم إلى الماضي، وكذا الأجيال القادمة كونها مرحلة كانت حافلة بحياة بسيطة تتسم بالتواضع والتواصل المستمر بين الأسر المتجاورة، وبات من الضرورة استدعاؤها وتأكيد سيرورتها في السياق الثقافي العام لتمثل لنا اليوم عبق الماضي وحقيقة التاريخ والقيم النبيلة والعادات والتقاليد والأخلاق الكريمة... وإلى لقاء.