تشهد المملكة تحولاً مهماً في مجال المسؤولية الاجتماعية، منذ إطلاق رؤية 2030، حيث أصبح القطاع الخاص عنصراً فاعلاً في دفع عجلة التنمية المستدامة ودعم المجتمع، إذ ارتفعت نسبة مساهمة الشركات السعودية في الإنفاق الاجتماعي من 1.19 % في عام 2019 إلى 4.15 % بنهاية عام 2023، في انعكاس مباشر لتطلعات المملكة ضمن إطار رؤية 2030 لتعزيز المسؤولية المجتمعية في مختلف المجالات، بدعم من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. ويأتي هذا التوجه الاستراتيجي في إطار رؤية المملكة؛ لبناء اقتصاد مزدهر ومستدام، حيث تواصل الشركات والمؤسسات السعودية جهودها؛ لتحقيق التميز في هذا المجال، مما يعكس رؤية القيادة السعودية في إشراك الأطراف كافة لتحقيق التنمية الشاملة في المجتمع. وإذا كانت المسؤولية الاجتماعية من أهم مقومات نجاح المنشآت الخاصة، والبنوك، وغيرها، إلا أننا نلاحظ المشاركة التي لا تتناسب مع حجم ومكانة البنوك السعودية، فليس من المناسب مشاركتها المجتمعية خلال العام الماضي ب350 مليون ريال فقط، والمنتظر منها أكثر من ذلك بكثير، خاصة أن هذا المبلغ تم إنفاقه على مجالات عديدة منها البيئة، والتعليم، والصحة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما يؤكد أن هذه المساهمة في كل تلك القطاعات المتفرقة لن تكون ذات أثر ملموس. لقد خطت المملكة خطوات كبيرة في مجال المسؤولية الاجتماعية، حيث أضحت غالبية الكيانات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص تحرص على تأسيس إدارات تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية؛ للمساهمة في خدمة المجتمع، ومتابعة هذه المساهمات وقياس الأثر الذي يتحقق منها، مما كان له أثر إيجابي أسهم في إنجاز العديد من المشاريع الكبيرة من خلال تكاتف وتعاون القطاع الخاص وقيامه بمسؤولياته تجاه الوطن والمواطن، في مختلف المجالات من تعليم وصحة وبيئة وتنمية مستدامة. تعد المسؤولية الاجتماعية -وفقًا للمواصفة الدولية آيزو (26000)- مسؤولية المنشأة وقراراتها وأنشطتها وعلاقاتها في المجتمع والبيئة والمساهمة في التنمية المستدامة؛ متضمنة صحة ورخاء المجتمع، لتُحقق المشاريع التنموية أهدافها ومستهدفات رؤية الوطن وتطلعات القيادة، بمتابعة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. رفع الوعي بالمسؤولية وضعت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خريطة طريق لمبادرات المسؤولية الاجتماعية، لرفع مستوى التنسيق مع الجهات جميعها، كما أطلقت بالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة المواصفة القياسية للمسؤولية الاجتماعية (SASO)؛ لتسهم المواصفة في رفع الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، وتعزيز دور الشركات والمنشآت الخاصة، مما ينعكس على مساهمة القطاع الخاص في تنمية المجتمع والاقتصاد والبيئة. نشأت فكرة المسؤولية الاجتماعية مع تنامي اقتصاديات الدول الكبرى بوجه خاص، وبالتحديد الشركات العابرة للقارات، التي تعد بمثابة مجتمعات داخل مجتمعات عالمية، فكان اهتمامها -من واقع مسؤوليتها الاجتماعية- بالبيئة وعدم الإضرار، وذلك نتيجة توسع أنشطتها الاقتصادية في كل دول العالم، وما خلفته من أضرار بيئية تستلزم إعادة النظر في مفهوم الرأسمالية الذي يقوم على الحرية الفردية، لذا كان مفهوم المسؤولية الاجتماعية لا ينطبق على ظروف نشأة وتطور التطبيقات الخيرية والاجتماعية في تاريخ الحضارة الإسلامية؛ إلا أنه بالرغم من ذلك فإن شمولية المفهوم الإسلامي للعمل الخيري تستوعب جميع النشاطات الاجتماعية والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، وعلى مستوى التطبيق الفعلي للمسؤولية فقد ظهر ذلك جلياً في فلسفة الوقف الإسلامي، الذي يعد من أهم الأنظمة الاقتصادية التي أسهمت في بناء المجتمعات الإسلامية على مر العصور، فكان الوقف من أهم وسائل التقدم العلمي والفكري والثقافي للبلاد الإسلامية، من خلاله أنشأ أصحاب الأعمال المستشفيات، والجسور والكباري، والمدارس، والمساجد، والطرق، والمساهمات الاجتماعية الخيرية، خاصة أن القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يقتصر على الجهود الحكومية فقط، حيث أولت الحكومات اهتماماً متزايداً لدور القطاع الخاص في تحقيق أهداف المجتمع؛ فأصبح مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات يتم استخدامه مرادفًا لإسهام رجال الأعمال في التنمية المستدامة، كما أن عدداً كبيراً من قضايا التنمية الرئيسية هي بمثابة أسس جوهرية لأجل المسؤولية الاجتماعية الدولية التي تتضمن حقوق الإنسان والتعليم والصحة والطفولة والقضاء على الفقر والبيئة، وخلق فرص العمل. فلسفة المسؤولية مع مرور السنوات بدأ التطور يظهر بوضوح على فلسفة المسؤولية الاجتماعية، فبجانب حرص المؤسسات الخاصة على تحقيق الأرباح، وهذا هو الهدف الرئيس لقيامها، أصبح هناك خط موازٍ لفكرة الأرباح، يتمثل في وظيفة المسؤولية الاجتماعية التي تتمثل في الاهتمام بجوانب تهم المجتمعات منها حقوق العاملين والمستهلكين والمواطنين والمنطقة الجغرافية التي يقام في نطاقها النشاط الاقتصادي، فحرص رجال الأعمال على تفعيلها، لتعزيز مصداقية رجال الأعمال، والثقة في أعمالهم، وتحقيق سمعة طيبة بين المستهلكين والمستثمرين؛ لذا يمكن أن نعرف المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي، بأنها مساهمة القطاع الخاص في تحقيق رفاهية حياة موظفيه، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للمجتمع الذي يعمل فيه، مع الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية؛ لتعزيز مكانته التنافسية في مجال نشاطه. من هذا المنطق أصبحت المسؤولية الاجتماعية عملية استثمار، تهدف إلى إحداث تغيرات اجتماعية لدعم البنية الاجتماعية، وتحقيق التنمية، خاصة فيما يتعلق بتنمية مهارات الأفراد كافة في المجتمع، خاصة الفقراء، وتوزيع حصص من الأرباح على الموظفين، لذلك تصبح المسؤولية الاجتماعية التزامًا لكل أطراف المجتمع المدني، خاصة القادرين على تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، ورغم أن مشاركة الشركات في المسؤولية الاجتماعية كانت اختيارية؛ إلا أنها تحرص عليها لتحسين سمعتها، من خلال ضمان تأمين رعايةٍ صحية للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية، وذلك من باب مبدأ التكافل وحق المجتمع، والتكفل بحالات اجتماعية تحتاج للمساعدة. احترام البيئة تأخذ المسؤولية الاجتماعية للشركات والمنشآت أشكالاً عديدة، منها احترام البيئة والمساهمة في الحفاظ عليها عندما يتعلق الأمر بمصادر المواد والعمليات، وتوفير فرص متكافئة لمختلف الفئات الاجتماعية، وبيئة عمل آمنة للجميع، إضافة إلى برامج تمويل التعليم وتوفير فرص التدريب للأجيال القادمة من القوى العاملة. ولدينا شركات كبرى اهتمت بملف تمكين المرأة بمحاولة منها لزيادة نسبة النساء في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، وإتاحة برامج للمنح الدراسية الداخلية والخارجية لها، وغيرها يهتم بدعم التعليم والتفوق الدراسي لطلبة التعليم العام بدول مجلس التعاون الخليجي، وأخرى تهتم بالشراكة مع وزارة الصحة وإنشاء مراكز القسطرة القلبية ضمن مستشفيات في مناطق عديدة من المملكة، وإنشاء مركز للعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي ومكافحة التدخين، كما تدعم شركات أخرى الإثراء المعرفي ومحو الأمية عبر مسابقة القراءة الوطنية الشهيرة "أقرأ" وموسم إثراء الإبداعي "تنوين"، بهدف الارتقاء بالمستوى العلمي في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات من خلال حلقات تفاعلية وترفيهية، إلى جانب الاهتمام بالقضاء على الفقر، من خلال العمل الخيري المؤسسي، والمشاركة في مواجهة التحديات والكوارث الطارئة صحياً ومجتمعياً. ومن الأنشطة الاجتماعية الرائدة التي تقوم عليها العديد من الشركات، مواجهة الهدر الغذائي، فقد قدرت إحصاءات منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة، إهدار 1.3 مليار طن من المواد الغذائية الصالحة للأكل عالمياً كل عام، ومن ثم اتخذت الشركات إجراءات للتوعية، والمساهمة الفاعلة لمواجهة ظاهرة الهدر الغذائي، واستفادة أطراف أخرى بالأغذية قبل أن يتم إهدارها. وختاماً، تشير الإحصاءات إلى أن 73 % من قادة الأعمال في أوروبا، يؤمنون أن الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية، يمكن أن يسهم بشكل فعال في رفع القاعدة الإنتاجية إلى أقصى مدى، حيث أثبتت الدراسات الميدانية العالمية أن الشركات التي تقدم رؤية واضحة ومشاركة مجتمعية، زادت أرباحها بمعدل 400 %، نتيجة للثقة بين المواطنين والشركة، من جانب، والشركة وموظفيها من جانب آخر، فزادت العملية الإنتاجية في نفس ساعات العمل التي كانت تحقق معدلات متدنية قبل المشاركة المجتمعية، مما ساهم في خفض التكاليف والأسعار، والنتيجة مشاركة اجتماعية فاعلة. تنامي الاقتصاد واكب حضور برامج المسؤولية الاجتماعية الاهتمام بتحسين بيئة المدن الصناعية مبادرات القطاع الخاص المجتمعية رفعت ترتيب المملكة في الاستجابة لجائحة كورونا