ستشكّل عملية إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والحدودية في الشرق الأوسط تحديًا معقدًا في السنوات القادمة، خاصّة في ظل اتساع وعمق الصراعات القديمة والجديدة وتضارب مصالح اللاعبين الرئيسين في المنطقة والعالم. وفي كل الأحوال، تبقى القضيّة الفلسطينيّة محورًا مركزيًا في سياسات الشرق الأوسط في ظل غياب إطار حل دوليّ موثوق يمكن أن يبدأ بإحياء مفاوضات سلام جادة، إما من قبل أطراف محايدة أو من قبل تحالف (أخيار) جديد يحظى بثقة الفلسطينيين. سيتطلب مثل هذا الخيار أولًا الضغط السياسي والاقتصادي على تل أبيب لوقف عدوانها وتوسعها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينيّة واحترام قرارات الأممالمتحدة. وسيتطلّب هذا النهج شكلاً من أشكال التمكين والدعم لسلطة حكم فلسطينيّة (متّفق عليها) في مجالات المصالحة الوطنيّة والتنمية الاقتصاديّة وتطوير البنية التحتيّة من أجل خلق بيئة مواتية لمفاوضات السلام. وعلى هذا الأساس، يمكن أن يجد حلّ الدولتين موقعًا مقبولًا لأنه يتطلّب تنازلات حقيقيّة من جميع الأطراف ودعمًا شاملًا من الدول العربيّة والإسلاميّة، فضلًا عن الدول المؤثرة الرئيسة. في لبنان، يمكن أن يؤدي تعزيز دور الحكومة اللبنانيّة في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي وتقليص نفوذ حزب الله والقوى الأخرى إلى إزالة بعض الأزمات المعقّدة في لبنان. أما في سورية، فإن تنسيق المصالحة الوطنيّة واتفاق سلام وطني شامل يقبل تناقضات الجميع أمر معقد كثيرا ولكنه مهم للغاية، ثم إن الوضع في سورية يتطلب مشروعات دوليّة لإعادة الإعمار وتأهيل الاقتصاد المدمر. وفي هذا السياق، يجب التوصل إلى حل شامل يعالج مشكلات السلطة والسيادة، ويضمن انسحاب الجماعات والقوات الأجنبيّة المتمركزة على الأراضي السوريّة. أما العراق فمن المهم حل المظالم التي طال أمدها لدعم المصالحة الوطنيّة والتوازن بين القوَى الفاعلة، ما سيتطلب تعزيز مركزيّة الحكومة ودعم الجهود الرامية إلى دمج مختلف الفئات في الدولة العراقيّة والحد من الطائفيّة وتقوية قدرة العراق على مقاومة عودة الإرهاب. أما بالنسبة لليمن، فيبدو الحل واضحًا ومباشرًا، لكن الواقع أكثر تعقيدًا، وبالطبع، فإن ورقة الوحدة السياسيّة والمساعدات الإنسانيّة، إلى جانب مشروع إعادة الإعمار في اليمن، ستكون أبرز الوسائل لزيادة فرص الاستقرار والهدوء في هذا البلد الجريح. وفي كل الأحوال يأتي دور المملكة العربية السعودية تاريخيا بوصفها قوة استقرار واعتدال في تركيزها الرئيس على تعزيز فرص السلام والتعاون والتنمية في المنطقة عن طريق المبادرات وتشكيل تحالفات تعالج المخاوف الأمنية المشتركة، وتتجاوز تحديات التنمية الاقتصادية الواعدة. * قال ومضى: قدر العقلاء إطفاء الحرائق التي يتفنّن الحمقى في إشعالها..