الانتقال لمسار الإقامة الدائمة والتجنيس غير ممكن في المملكة، ولا تمنح الجنسية فيها إلا للكفاءات وباشتراطات صعبة، وليس أمام العامل إلا المغادرة، ما سيدفع صاحب العمل إلى إجباره على نقل خبراته للمواطنين، وتفضيل الأجنبي على المواطن، في معظم الأحوال، لا يكون لكفاءته؛ وإنما لأن بقاءه مضمون، مقارنة بالسعودي الذي قد يغادر إذا وجد عرضًا أفضل.. بدأ العمل بنظام العمل المرن في أزمة كورونا عام 2020، بعد أن قامت وزارة الموارد البشرية في المملكة بدراسته لمدة عامين قبل ذلك، وهو باختصار يقوم على نظام العمل بالساعة التعاقدية قصيرة الأجل، والتي تعتبر أقل وحدة حساب للأجور في العالم، ولعل المستفيدين منه بالدرجة الأولى هم طلبة التعليم العام والجامعي، والباحثون عن فرص عمل لتحسين مداخيلهم، والنساء في فترتي الحمل والولادة أو لظروفهن الخاصة، بالإضافة إلى أنه يعطي الشخص فرصة التعاقد المتعدد، أو الارتباط بعقود لصالح أكثر من جهة في ذات الوقت، مع مراعاة عدم وجود تعارض في ساعات أو أيام العمل بينها، والنظام مقيد بموظفي القطاع الخاص وحدهم، وتحسب ساعاته في التأمينات الاجتماعية، ضمن الراتب التقاعدي، وعقوده بتفصيلاتها توثق في منصة العمل المرن الرسمية. النظام مفيد في تطوير خبرات الشخص ومهاراته، وفي تحسين فرصه الوظيفية في المستقبل، ويعرف في المجتمعات الغربية بنظام العمل الجزئي، وقد صدر في مايو من العام الجاري، قرار بزيادة عدد ساعاته لكل منشأة من 95 ساعة إلى 160 ساعة، وأعطي صاحب العمل الحرية في تحديد أجر الساعة، بجانب مكافأته بنقطة في نطاقات، إذا استوفى ساعاته كاملة، وكلما زاد العدد زادت النقاط، ويمكن تخصيص هذه الساعات لشخص واحد، أو تقسيمها بين مجموعة من الأشخاص، لأنها تقبل بمبدأ العمل عن بعد وفي أوقات الفراغ والإجازات، والعقود الموثقة لهذا النوع من العمل وصلت في العام الحالي إلى 500 ألف عقد، وكل ما سبق ساهم، بحسب أرقام منتدى الاقتصاد العالمي لعام 2024، في تقدم السعوديين على مؤشر العمل المرن من المرتبة 21 إلى المرتبة 14. الدراسات التي أجريت عام 2023، وتناولت تطبيقات العمل المرن في الصين والهند، توصلت إلى أن الدولتين حققتا الزيادة الأكبر في إجمالي القيمة المضافة للاقتصاد، باعتمادهما عليه، وقدرت نسبتيهما بنحو 141% و193% على التوالي، ومن المكاسب الإضافية للصين أنها عندما أخذت بنظام العمل المرن عن بعد استعادت مليارا و400 مليون ساعة، من زمن التنقل للوصول إلى العمل، ورغم ذلك فمازال التعامل معه محلياً دون المستوى المأمول، والسبب تصورات خاطئة عند رجال الأعمال السعوديين، فالعمل المرن يتيح فرصة الاستعانة بالكفاءات في أوقات فراغهم، كالمحاسبين والمحللين الماليين، والمعروف أن 70% من أعمال الشركات تعتمد على الأجهزة والبيانات في أعمالها، علاوة على مساعدته في سد نقص العمالة اللازمة لمواجهة الإقبال المتزايد على قطاعات المطاعم والمقاهي والترفيه، وعلى قطاع التجزئة إجمالاً، في إجازة نهاية الأسبوع وفي المواسم، وبشرط أن يكونوا من السعوديين. هذا الأسلوب وغيره من أساليب العمل يستهدف في نهاية الأمر رفع معدلات التوطين وخفض البطالة في القطاع الخاص، ويعمل على تحسين المستويات المعيشية لمن يعملون فيه، وقد تحقق السابق نسبياً، بارتفاع أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص، من مليون و700 ألف، إلى مليونين و300 ألف، وتحديدا خلال الفترة ما بين عامي 2019 و2024، وفي المقابل العمالة الأجنبية في سوق العمل لم تغادر بعد إجراءات التوطين، والدليل أن أعدادهم استمرت ثابتة على ستة ملايين عامل، منذ 2016 وحتى 2020، والذي حدث أنهم انتقلوا لشركات مملوكة، إما لصاحب العمل الأصلي أو لأحد شركائه، وتحت مسميات وظيفية، من نوع مندوبي تسويق أو مستشارين، أو قد تتم إعادة توظيفهم كعمالة منزلية، وزيارة واحدة لأسواق الخضار وشركات تأجير السيارات ومعها مهن الاتصالات، ستظهر سيطرة الحضور الأجنبي عليها، مع أن المفروض أنها وطنت بالكامل، مثلما تؤكد وزارة الموارد البشرية في تصريحاتها. المصانع الأوروبية والأميركية التي فتحت في الصين، لم يسمح لأصحابها إلا بما نسبته 5% من العمالة الأجنبية، والبقية كانوا من الصينيين، ما اضطرهم لإحضار ما يحتاجونه فعلاً لإدارة العمل، كالمهندسين والفنيين وأصحاب الخبرة العالية، وهؤلاء قاموا مجبرين بنقل خبراتهم للأغلبية، وفي تصوري، لا بد من معالجة جذرية، تبدأ بإعادة هيكلة سوق العمل الحالي، فالمعمول به عالميا، هو ألا تزيد العمالة الأجنبية في السوق عن 25 % والبقية للمواطنين، وفي الحالة السعودية المعادلة مقلوبة، وبالإمكان الاستفادة من تجربتي أستراليا وكندا، وتحديد تأشيرات العمل بمدة زمنية، لا تتجاوز ستة أعوام غير قابلة للتجديد.. لأن الانتقال إلى مسار الإقامة الدائمة والتجنيس غير ممكن في المملكة، ولا تمنح الجنسية فيها إلا للكفاءات وباشتراطات صعبة، وليس أمام العامل إلا المغادرة، ما سيدفع صاحب العمل إلى إجباره على نقل خبراته للمواطنين، وتفضيل الأجنبي على المواطن، في معظم الأحوال، لا يكون لكفاءته؛ وإنما لأن بقاءه مضمون، مقارنة بالسعودي الذي قد يغادر إذا وجد عرضا أفضل، وفي حال حرمان صاحب العمل من هذا الخيار، فإنه سيحرص على تدريب السعوديين، وعلى تحسين أجورهم، حتى لا تتعطل أعماله.