في أول البدء كانت فسيفساء من الخيالات لترسمَ أفكاراً لم تنضج بعد تجربتها؛ فكانت خواطر أكتبها في دفتري اليومي لأعبّرَ عما يجول به فكري، ليتحرر الفكر من هواجس خيالية ليأخذ بي أن أزهرَ نثراً في ثنايا الورق تارة بالوجع وتارة أخرى بالحزن وتارة بالحب؛ أن تكتب يعني أن تتحرر من كلّ الضغوطات؛ أن تتغلبَ على الحزن، أن تعيشَ اللحظة الجميلة بكلّ ما أوتيتَ منْ فرح لترسم ملامحه نضجاً يزهر في بدايات النظم والقوافي. كتبت في كلّ الأجناس الأدبية تقريباً الرواية والقصة القصيرة والومضة والنثر والشعر العمودي والتفعيلة وحتى السيناريو خضت تجربته ولكن يبقى الشعر العربي الأصيل هو الأقرب إلى وجداني، جذع لا أستطيع أن أقطعه من نخيل أفكاري. لحين أنْ رأيتُ أنَّ الانتصار للإبداع يكون بالكتابة؛ وآمنتُ بمقولة تشارلز بوكوفسكي: ما الذي أبقاك حياً؟ الكتابة لم تكن البدايات سهلة أبداً؛ دائما تكون هناك عراقيل في مشوار الشاعر؛ وما كان أخفى من الوجع أعظم بكثير مما نسردهُ وخيبة من كلّ الذين خذلونا في منتصف الطريق؛ ولكن انتصارنا على وجعنا كان أكبر انتصاراً خلّفتهُ جروح الكلمات؛ كلمات أبتْ إلاّ أنْ تكونَ حروفاً عسجدية؛ إصرار كبير، وتحدٍّ على مواجهة كلّ الصعاب أول قصيدة نظمتها على بحر المتقارب كان مطلعها: وأرختْ نقابَ العفافِ ومالتْ وقالتْ أنا وردة دونَ ماءِ وسَارتْ تُمشطُ حُزنَ المرايا أنا يا صديقي ككلِّ النساء كانت فرحة عظيمة وأنا أنسجُ نظمًا خليلياً صادق النبضات، أكتبُ في صمتٍ كأيِّ امرأة ترعرعت في بيئة محافظة لا تجهر بكلماتها الشهية البهية حزينة كانتْ أم فرحة، لحين أن تفرغت في نظم الشعر وغصتُ في بحوره العميقة؛ وجبتُ قوافيه بخيالاتٍ ومجازاتٍ وكناياتٍ. فأدركتُ أنْ الشعرَ دهشة وليس مجازاً فقط. فطبعتُ أول ديوان لي "أعوذُ بربّكَ صُنّي" الديوان البِكر؛ قام بتقديمه الإعلامي والناقد الجزائري الكبير محمد شايطة وبعدها ديوان "صوفية في محراب عشق" الذي شرّفني بتقديمه الدكتور الفلسطيني لطفي منصور والدكتورة العراقية "كوكب البدري" أول ديوان يفوز بجائزة العلامة عبد الحميد بن باديس للشعر العمودي كأفضل مخطوط شعري. وديوان "ثكلى تحت جذع الصبر" شرفني أيضاً بتقديمه وزير الثقافة الأردني الأسبق الدكتور "صلاح جرار" والإعلامي والشاعر السعودي "محمد الجلواح" فكانت فرحتي بمن شرّفوني بتقديم الديوان أكبر من صدور الديوان نفسه، وبعده كتاب "مساكب الضوء" حوارات ورؤى وقصائد مع مبدعين عرب، إلى حين ديواني الرابع "واشتعلَ القلبُ عشقًا" الذي قام بتقديمه وزير الثقافة الليبي الأسبق الدكتور" جمعة الفاخري" والذي قرأهُ وغاص في مكنونات "الوردة" حيثُ كانت شهادته وساماً على جبين جهدي وتعبي "وردَةُ أَيُّوب عزيزي من مَدْرَسَةٍ شِعْرِيَّةٍ مُعَاصِرَة يَتَبَنَّاهَا جَيْلٌ شَاعِرٌ جِدًّا، وَاثِقٌ جدًّا، مُتَمَرِّدٌ أَبَدًا، وَمُتَحِدٍّ وَمُتَجَدِّدٌ وَمُجَدِّدٌ؛ وَمُخْلِصٌ لِمَدْرَسَتِهِ الشِّعْرِيَّةِ اللَّافِتَةِ، المؤَثِّرَةِ وَالْمُتَأَثِّرةِ، وَالممُعْنَةِ في العِنَادِ المُنْجِزِ حَدَّ الجُمُوحِ وَالجُنُوحِ وَالتَّحْلِيقِ بِأَجْنِحَةِ الخَيَالِ الَّذِي لَا يُحَدُّ، وَلَا يَهْدَأُ،.." وفي كتابةِ الشعر العمودي يُضيف: ومن بين القصائد "قَصِيدَةٌ تَثِقُ فِي جَمَالِ وَجْهِهَا، وَقُوَّةِ وَهْجِهَا، دَونَ حَاجَةٍ لِتَجْمِيلٍ وَلَا تَكْمِيلٍ وَلَا رُتُوشٍ تُشَوِّهُ خِلْقَتَهَا، وَتُفْسِدُ تَكْوِينَهَا، وَتُسِيءُ إِلَى هَنْدَسَتِهَا الرَّصِينَةِ الفَارِقَةِ السَّاحِرَةِ". وَهَكَذَا، فَالشَّاعِرةٌ مَفْتُونَةٌ بِالاسْتِغْرَاقِ الوَضِيءِ فِي فُيُوضَاتِ الحُبِّ الْمُعَلَّى، وَالغَرَقِ فِي غَدَقِ الهَوَى القُدْسِيِّ البَاسِقِ. كانتْ تجربة مليئة بنشوة الإبداع والتميز حين أسافرُ وكلماتي إلى ربُوع الوطن الجزائري والعربي لأصدحَ بشموخٍ وفخر بقصائدي التي أنجبتها منْ رَحِمِ الاعتزاز وأنا أقرأ منْ كل ديوان نتفة وتارة مقطوعة وتارة قصيدة بثوبها النزيه الطاهر، أكتب التصوف لأني أعيشهُ في صفاء الكلمات وعفاف الشعر، ودهشة الإلقاء، ألبسه رداءً طاهراً إلى حين أن استدعاني الشعر في كلّ المناسبات الدينية بحلته الصوفية والرمزية. * أديبة وشاعرة جزائرية