من ملامح هذا الفصل (الخريف)، الذي يطل علينا كل عام، ويحمل معه أبعاداً مختلفة، من تنوع للجمال، ولطف في الأجواء، وحسن لليالي، وانسياب للأيام، سأحاول جاهداً أن أقدم قراءة ثقافية فنية لبعض الظواهر الوجودية فيه؛ والتي قد تسعف الآخرين للوقوف على معالم الجمال وصناعة الفن، مع استمتاع ممتد لا ينتهي ولا يعرف الملل ولا الكدر؛ فقد اعتدلت الأجواء هذه الأيام، وأصبحت لطيفة تشعر فيها بحالة من الارتياح بعد حرارة الصيف اللاهبة، الأمر الذي يمنحنا شعورا مختلفا لوجود متغير تبعا لتحول الفصل عن سابقه، ما يبعث فينا دينامية فاعلة وحيوية مستمرة للخروج خارج أسوار المدينة باتجاه الفلوات والبر الواسع كموقع يفضله الإنسان للخروج من أنماط الحياة المعتادة والروتين الباعث للضجر، هناك في البر فصل الخريف يمنحنا ملامح الجمال ففي مسرح الوجود تتباين الأرض بين الارتفاع والانخفاض، هذه النتوءات لتموّج الكثبان الرملية والتلال الصخرية تشكل ملمحا آخر للجمال وبعداً ترتفع فيه الذائقة الفنية عند رصدها بوعي وفطنة بعد أن تغير الواقع الحسي بفعل اختلاف الزمن ودورة الفصول الأربعة؛ لأن حركة الشمس وامتداد الظل واتساعه بسرعة مع حركة الشمس، وهي تمضي نحو الغروب، ندرك أبعاداً جمالية، بفضل عبقرية الطبيعة، لأن الظل يتضاعف بسرعة ويطول على مساحة واسعة على أديم الأرض، رأي العين مع أي مرتفع زاد عن سطح الأرض، وتصبح الصورة بفعل جملة من العوامل متغيرة ومغرية، وهذا لا شك يزيد من مساحة الرائي، وتعدد ملامح الجمال في مسرح الوجود، من خلال كثافة اللون الذي يتشكل على الأرض بفضل حركة الشمس، وامتداد الظل، وملامح الوجود المختلفة، وعند البقاء في مكان واحد ستدرك تباين الألوان واختلاف جماليتها التي تكون بائنة في الوضوح والدكنة، ومثل هذه الملامح المتعددة والمختلفة يمكن للفنان التقاط مجموعة من الصور وبزوايا مختلفة وبلقطات تتراوح بين القصيرة والطويلة وسنشهد روعة الصورة التي هي من واقع المكان ولم نزد عليها أي شيء، فقط حددنا الزاوية المعينة لالتقاط بُعد معين، وهذا التشكل اللوني والتغير المستمر كل لحظة في المكان نفسه طوال هذا الفصل يجعلنا نعيش الذائقة الفنية وتتنامى لدينا الخبرة الجمالية، لأن اختلاف الوقت بين شروق الشمس وغروبها دائما يأتي في سياق تحرير بصري مختلف ويرسم على مسرح الوجود أبعادا لونية مغايرة وعندها تكتسي الأماكن ملامح مختلفة ومتباينة تلمح فيها تدرجات اللون وتبايناته، وبهذا الرسم الطبيعي الذي تكوّن بفعل ضوء الشمس وامتداد الظل ومتغيرات مسرح الوجود في فصل الخريف بعد أن نفضت الأشجار أوراقها وتغير شكلها وهنا ندرك القدرة على قراءة المختلف والمتغير وبالتالي ندرك القدرة الإبداعية للفنان الذي يرصد أبعاد الطبيعة ليناغم بين جمال امتداد الظل وواقع الأشياء للخروج بالمعنى التعبيري في تكوينه النهائي للصورة، وهكذا تتكون اللوحة المغنية والجمالية ويتشكل جمال آخر على الأرض بفعل الضوء مع امتداد كبير للظل بصفة مستمرة الأمر الذي يستحق منا أن ننتقل إليه ونتأمله بكل أبعاده للوقوف على جمال الطبيعة، ولنعتني بالتقاط صورها وتوثيق فتراتها والمشاركة بها في مناشطنا الوطنية والثقافية والفنية، ولعلها دعوة للهواة وعاشقي الفن والتصوير من واقع عبقرية الطبيعة. عوضة بن علي الدوسي