يمر الإنسان بظروف متقلبة وأحوال متبدلة منذ ولادته حتى انتهاء رحلته في هذه الحياة، وعندما يفقد الإنسان عزيزاً عليه بوفاة أو مرض - حمانا الله وإياكم من شرور الأمراض - فإنه بلا شك يقع في حالة حزن عميق، ويدخل مرحلة العزلة والشعور الموجع بالفقد الحقيقي، ويبدأ مراجعة كل اللحظات والحكايات التي مرّ بها مع هذا العزيز المفقود، وهو بالتأكيد ألم طبيعي يُعالَج بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره. ومن منطلق عقيدتنا العميقة التي تستوجب الرضا بالقدر خيره وشره، فإنه لا بد وأن يكمل الفاقد طريقه بشكل طبيعي فيعمل ويجتهد ويقوم بواجباته العائلية والاجتماعية ويسافر ويوجد في كافة المناسبات بأفضل صورة، وهذه الممارسات الطبيعية للحياة، تخلق لدى بعض الفئات من البشر حالة تستدعي المراجعة والمعالجة، حيث يبدأ البعض منهم بمراقبة تحركات الفاقد، والتمعن في شعوره، وضحكاته، واستنكارها على اعتبار أن الفقد له سطوته وجبروته اللتان يجب أن تكسرانا إلى آخر يوم في العمر، وأن يعيش الفاقد حالة الحزن أمام الناس ويمارس طقوس الحزن علنياً، بينما في الواقع هو يعيش حزنه بينه وبين الله ثم نفسه، ولا يؤمن بإظهاره للبشر لأن الحزن شعور يجب أن يُقاوم. إن اعتقاد البعض ضرورة ممارسة طقوس الحزن أمام الناس يعكس الاعتراض على أقدار الله سبحانه، وهذا من سوء الإيمان وقلة الثقة بحكمة وتدبير الله جل وعلا، والفاقد العاقل يدرك أن حزنه وبكاءه طوال العمر لن يعيدا له المفقود، وإنما سيثقلان عليه ويجعلانه في دوامة الاعتراض والأسئلة التي لا إجابات لها، وفهم هذه النقطة تحديداً يُحتم الاستمرار في ممارسة الحياة كما هي بأفراحها وأحزانها والمضيّ فيها بروح واثقة ومُسلّمة. إن الانتقادات التي نطلقها على هؤلاء ليست في مكانها أبداً، ومن حقهم الديني والنفسي أن يكملوا حياتهم بشكل طبيعي مهما بلغت أحزانهم، ولا يعني هذا أن الفقد بسيط والمفقود هيّن، بل يعني صميم الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم بما كتبه الله، فلا تنتقد شخصاً يظهر بأفضل صورة بعد وفاة عزيز عليه، على الأقل احتراماً لما كتبه الله.