يعرف "النقد": بأنه تمييز الدراهم والدنانير لفرز الصحيح منها والمزيف وبيان جيدها ورديئها، وتلك مهارة يختص بها الصيارفة ثم شملت نقد أخلاق الناس وعاداتهم وإبراز ما يتحلون به من جمال الصفات وما يعاب من السلوكيات كما اشتملت نقد النصوص والمواضيع والاحداث وكافة أنواع الفنون والمعارف وتوضيح أوجه الصحة فيها والعلة. تقول حكمة نادرة: "إن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته واستمتاعه بالطريق أثناء سيره بجمال الألوان والأضواء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر"، فنقد الشخص لذاته أفضل من نقد الآخرين له دون أن يستكبر عن قبول رأي الناصحين من ذوي الخبرة والدراية والمعرفة فهم من يسلطون الضوء على مصادر القوة والتفوق والنجاح وينبهون عن نقاط الخلل. "النقد" له أهداف متنوعة وأسماها وأجلها هو النقد الذي يبني ولا يهدم، يصل ولا يقطع، يصلح ولا يُفسد، يُنصف ولا ينحاز، يعدل الاعوجاج ويبادر في تقويمه وتهذيبه. يتميز "الناقد البناء" بأنه من يوجه حواسه بإدراك صحيح وخبرة واسعة وتجربة عميقة ومعرفة في جديد الخيارات وقديمها حتى يبنى نتائجه بموضوعية وتدرج في تحليل الموضوع وتنقيحه وتقويمه وتحديد نقاط قوته وضعفه، ويبذل جهداً خارقاً لفحص العمل وتدوين سلبياته وإيجابياته بأدوات الباحث المنضبط ليدفع العمل إلى الأمام ويحفزه على التطوير والإنتاج والابتكار وقد شُبه "الناقد" بأنه رجل يعرف الطريق، ولكنه لا يعرف القيادة؟". "الناقد البناء" هو من يحيط بفنه ويقف عند حدود أدبه بعيداً عن السطحية والعشوائية والانفعال والتعصب والهوى والتعسف، أما "الناقد الهادم" كالذي يرى بعين الذباب لا تقع إلا على الأوساخ والجروح، يتصيد الزلات ويضخمها ويبحث عن الهفوات ويفتح العين عليها، هدفه تدمير الآخرين وإنكار جهودهم وهضمها ليبني على حطامهم كيانه وإبراز قدراته. أخطر أنواع "النقد" هو "الجارح" فهذا النقد يولد الاهتزاز الفكري ويسلب الموهبة ويحطم الشخصية ويمسح قدراتها ويلغي ثقتها وينتزع إبداعها، فيتحول الشخص -إذا استسلم- إلى جسد يتحرك دون روح. لا يمكن أن يحمي الإنسان نفسه وتحصينها ممن يحاول الانقضاض عليه إلا بسعيه الدائم بين تصحح أسلوبه وبين تقييم تعامله، ومستفيداً من الناقد المتمكن ومتمثلاً بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي. *كاتب صحافي أكاديمي