النوم ضروري في الليل وليس في النهار، ما لم توجد عوامل مرضية أو جينية تؤثر فيه، وعلى سبيل المثال؛ الجهاز اللمفاوي يتخلص من سمومه ما بين التاسعة والحادية عشرة مساءً، ومن ثم الكبد من الحادية عشرة مساءً إلى الواحدة صباحاً، والجهاز التنفسي من الثالثة إلى الخامسة صباحاً، والقولون ينظف نفسه في حدود الخامسة صباحاً، والسهر يربك كل أو بعض هذه العمليات الحيوية في الجسم، والنتيجة ستكون كارثية بطبيعة الحال.. السهر حتى ساعات الفجر الأولى، يعتبر من الطقوس السعودية الراسخة، والتي لا يمكن أن يكتمل يوم سعودي بدونها، ولا يغير في ذلك موافقته لأيام العمل أو عطلة نهاية الأسبوع، وأكثر من يقوم بهذا التصرف هم الموظفون الحكوميون دون غيرهم، وباختلاف المراتب والرتب، ومعظم هؤلاء لا يبدأ دوامهم مبكراً، ويحاولون الالتفاف على النوم القليل، والتحايل عليه بقيلولة تمتد ما بين صلاتي العصر والمغرب، وبما يعادل ثلاث ساعات تقريباً، بينما الأصل، بحسب المختصين، ألا تتراوح فترة القيلولة، ما بين عشر دقائق وثلاثين دقيقة، وأفضل أوقاتها من الحادية عشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً، ويمكن أن تكون على رأس العمل، وفي أدوار مخصصة داخل كبسولات نوم. شركتا غوغل وآبل، توجد لديهما أدوار مصممة بعناية، يأخذ فيها الموظفون الراغبون قيلولة لنصف ساعة أثناء العمل، ما بين الواحدة والثالثة ظهراً، وهذه الفكرة الإبداعية أفادتهما، وساهمت في رفع الإنتاجية وزيادة النشاط في بيئة العمل، وفي رأي المختصين، تقليل مدة النوم تحركه جملة من الأسباب، أهمها: منع الدخول في مرحلة النوم العميق، وما يصحبه من تعكر في المزاج، وإرباك للساعة البيولوجية وجهاز المناعة، وعدم قدرة الشخص على النوم المبكر، ولكنها في المجتمع المحلي تحدث خصيصا لأغراض السهر، وبقصد تعويض فاقد ساعات النوم اليومية. بالإضافة لما سبق، أشارت دراستان من بريطانيا، إلى أن سهر الموظفين المتواصل لأكثر من خمسة أعوام يرفع إصابتهم بأمراض القلب بمعدل الضعفين، وأن سهرهم المستمر ل17 عاماً، يزيد من احتمالية موتهم المبكر لسبعة أضعاف مقارنة بغيرهم، ما يفسر وفاة بعضهم على مكتبه، وهناك حالات معروفة وأعلن عنها محلياً في الأعوام الماضية، بخلاف أنه يضعف الأداء في العمل، وهذه العادة، في أحوال معينة، قد تكون مرضية، وتبدأ مع الشخص خلال المراهقة ولا تتركه طوال حياته، ويسمونها ب(اضطراب النوم المتأخر)، والمصابون بها على مستوى العالم يمثلون ما نسبته 15 % من إجمالي السكان، ولا يوجد علاج يتعامل معها، والحل في ترتيب حياة صاحبها الشخصية والعملية على مواعيده الليلية. الأهم من ذلك هو دراسة تم نشرها عام 2004، في المجلة الأميركية لعلم الأوبئة، وقامت بمراقبة ما يزيد على عشرة آلاف شخص، ولمدة ثلاثة أعوام، فقد توصلت إلى أن الأشخاص الذين قلت مدة نومهم عن ست ساعات في اليوم ارتفع محيط الخصر عندهم بواقع 2 سنتميتر سنوياً، ما يشير إلى تراكم الدهون لديهم، وإلى زيادة في الوزن، ويحدث هذا لأن الشخص عندما يسهر يتراجع شعوره بالشبع ولا يتوقف إحساسه بالجوع، ولأنه في الغالب يأكل وجبة ثقيلة قبل نومه بوقت قصير، وما سبق أكدته دراسة أجراها المعهد الفنلندي للصحة المهنية، ونشرت في 2023، وجاء فيها تفسير لأسباب الموت المبكر لمدمني السهر، والدراسة شملت 24 ألف توءم، قامت الدراسة بمتابعتهم، ما بين عامي 1981 و2018، وبعد مراجعتها لسجلات وفاة حوالي تسعة آلاف شخص من المشاركين، وجدت أن محبي السهر سجلوا أكثر الوفيات المبكرة والمفاجئة وبفارق 9 %، وأحالت الأسباب إلى العادات التي يطورونها في سهراتهم الوظيفية والخاصة، كاستهلاك التبغ والكحول وتناول الأطعمة غير الصحية. في عام 2019 قامت شركة (فيليبس) بعمل استطلاع رأي عالمي شارك فيه قرابة 11 ألف شخص من 12 دولة، وانتهت نتائحه إلى أن 62 % من البالغين في العالم لا يحصلون على كفايتهم من النوم، والسبب في ذلك الضغط النفسي والبيئة التي ينامون فيها، وحمل 37 % من بينهم المسؤولية على ساعات العمل والدوام الرسمي، ولعل الأوضاع في المملكة أفضل من بقية الدول، فموظف الدولة المدني يحصل على خارج دوام، ونظيره العسكري يعوض بما يسمونه بدل أعمال جليلة، بينما تمتد ساعات العمل في الصين ل12 ساعة كل يوم، وطوال ستة أيام في الأسبوع، وبلا بدلات أو خارج دوام، وما يخصصونه لاهتماماتهم لا يتجاوز، بعد حسم ساعات العمل والنوم، ساعتين و42 دقيقة يوميا. النوم ضروري في الليل وليس في النهار، ما لم توجد عوامل مرضية أو جينية تؤثر فيه، وعلى سبيل المثال، الجهاز اللمفاوي يتخلص من سمومه ما بين التاسعة والحادية عشرة مساءً، ومن ثم الكبد من الحادية عشرة مساءً إلى الواحدة صباحاً، والجهاز التنفسي من الثالثة إلى الخامسة صباحاً، والقولون ينظف نفسه في حدود الخامسة صباحاً، والسهر يربك كل أو بعض هذه العمليات الحيوية في الجسم، والنتيجة ستكون كارثية بطبيعة الحال، والدليل أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية أوقفت هذا النوع من المسابقات، وآخر رقم تم تسجيله فيها لحالة سهر متواصل بدون منبهات كان في 1964، وهو 11 يوما و24 دقيقة، وثبت بالتجربة أن السهر بدون نوم لأسبوعين نتيجته الوفاة الحتمية، وأن مداومة السهر لوقت متأخر تحدث تلفاً في الدماغ.