هي ليست مجرد أسطول من الطائرات تمشي على الأرض في مشهد غير مألوف على مرأى العالم كله؛ سلسلة من الطائرات السعودية تجوب مناطق المملكة ومحافظاتها وقراها متجهة إلى وجهتها العالمية، حيث موسم الرياض والبوليفارد، هذا المشهد المهيب الذي تزامن مع استعدادات الشعب السعودي لاستقبال اليوم الوطني السعودي 94، هذا المشهد المهيب الذي دفع بالسعوديين للتعبير عن حبهم لوطنهم وولائهم لقيادتهم بالتفنّن في التقاط أكبر سلسلة صور ممتدة بعرض مئات الكيلومترات ويجعلون العالم كله يزداد انبهاراً من ولاء هذا الشعب وعلاقته بقيادته التي لا تضاهيها أي علاقة بالعالم! ردود فعل الشعب السعودي، وحجم الاستجابة من مختلف الفئات والأعمار، وحجم التداول وأصداؤه، أكدت أنها ليست صورة عادية ولا حدثاً تسويقياً، هذه الصورة الممتدة تتجاوز كونها مجرد ترند أو إكمال لمشهد إقامة مشروع ترفيهي، وعملية لتوثيق لحظة نقل الطائرات، إلى التحليق بالوعي السعودي عالياً، وإعادة رسم صورة الهوية الوطنية السعودية! صور الطائرات السعودية التي تشكلت وتراصّت كلوحة فسيفساء تلونت بالأخضر وفضلاً عن كون عملية نقلها شكّلت أيضاً تحديًا لوجستيًا فريدًا، متمثلة بنقل 3 طائرات عملاقة بامتداد ومسافة 1228 كلم خلال 14 يوماً فقط، يحمل في ثناياه دلالات أعمق ومؤشرا أبعد يُظهِر التحوّل الفكري في الوعي الجمعي الوطني السعودي، "هو تجسيد حي فيما يُطلق عليه علماء الاجتماع "التحول الثقافي الجمعي": أي؛ تغير عميق في قيم المجتمع وسلوكياته يعيد تشكيل الهوية الوطنية بأكملها". هذا التحول الفكري في الوعي الجمعي الوطني للشعب السعودي الذي حققه الاحتفال بكل حدث وطني ليس شيئاً عابراً، فكل الذين كانوا يحاربون قيمة الاعتراف بقيمة الوطن والاحتفال باليوم الوطني كانوا يحاربون ويحرّمون خدمةً لمشروعهم السياسي والأممي، لأنهم يعرفون أهمية الوعي المتراكم في الذاكرة الشعبية، حيث سيكون للوطن قيمة أكبر تتنامى مع الزمن، وهذا بكل تأكيد ضد مشجعي ومبشري الخلافة وأنصار ورموز الأممية السياسية القائمة على إلغاء البقع الجغرافية المحددة التي تسمى اصطلاحاً في علم السياسة بالأوطان. لذلك كان من أولى أولويات رؤية السعودية 2030 ومنذ انطلاقها هو حرصها على معالجة ومحاربة الأفكار المتطرفة والبعد عما يثير الفتنة والفرقة أو يحض على العنف أو يروج لأفكار وافدة ذات مآرب سياسية تخريبية، فكانت اللحظة التاريخية الحاسمة حينما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القضاء على التطرف قائلاً: "استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة!". وهذا ما جعل كثيراً من وسائل الإعلام والصحف العالمية حتى من كان منها يهاجم المملكة حتى وقت قريب -وآخرها تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست- تناولت فيه كيف أصبح السعوديون أكثر فخراً بوطنهم. عظمة الدور والتحول في الوعي الجمعي السعودي الذي حققته رؤية المملكة 2030 واستطاعت من خلاله تحقيق البعد الفكري وإيمان الشعب بأهدافه ومنجزاته ومشاريعه وبرامجه في تجاوز المملكة للخطورة الفكرية في التطرف والأيدولوجيات الإرهابية، ومن خلال ترسيخ الشعور بحس الوطنية وممارسة المواطنة بداخل الفرد السعودي. إن دلالات هذا الوعي الجمعي وإعادة رسم الهوية الوطنية منذ انطلاق الرؤية وفيما شكّلته ثقافة الاحتفاء بكل منجز سعودي والاحتفال باليوم الوطني، لم تقف عند حدود الوطن وإنّما امتدت هذه الثقافة إلى الجوار، ليس ابتداءً من الدول الشقيقة ولا انتهاءً عند الدول الصديقة، ليس ابتداءً من احتفاء الأشقاء الخليجيين صغاراً وكباراً في بيوتهم ومدارسهم وأماكنهم العامة، ولا انتهاءً من إضاءة جسر دبلن أو أهازيج الاحتفالات الوطنية في قلب التايسون كونر مول بقلب واشنطن! فضلاً عن ذلك برزت القوة الناعمة السعودية من خلال نشر ثقافة اليوم الوطني عالمياً، فلم يكن أمراً عادياً أن يعرف العالم العرضة السعودية أو أن تتزاحم محركات البحث للبحث عن قصتها بعد أن قام بها رونالدو اللاعب العالمي في نادي النصر السعودي أو نيمار اللاعب العالمي في نادي الهلال السعودي، فضلاً عما شاهده العالم أيضاً بقية المدربين واللاعبين العالميين في صفوف أندية الفرق السعودية وهم يرتدون الزي السعودي ويشاركون السعوديين احتفاءهم بهذا اليوم، هذا وإن دل فإنما يثبت أن نشر ثقافة اليوم الوطني ومنجزاتنا الوطنية سوف يُسهم بصورة أكبر وأوسع في إعادة رسم الصورة الذهنية عن الهوية السعودية عالمياً، الأمر الذي يدفعنا أكثر لتفعيل قوتنا الصلبة والناعمة معاً، والعمل أكثر على ثقافتنا الإستراتيجية التي نريد أن يعرف العالم عنها أكثر وعن تاريخنا الممتد لأكثر من خمسة قرون، والتي يعرف الجميع أن ثقافتنا الاستراتيجية هي من تصنع مستقبل المنطقة القائم على الازدهار والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة لنا وللأجيال القادمة.