تشهد التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية تطورًا كبيرًا منذ السنوات الأخيرة، مما جعلها واحدة من أسرع القطاعات الاقتصادية نموًا في البلاد، والذي أسهم في بروز شركات رائدة على الصعيدين المحلي والإقليمي بالإضافة إلى دخول الشركات العالمية إلى السوق السعودي، وذلك ضمن إطار التحول الرقمي الشامل الذي تشهده المملكة في ظل رؤية السعودية 2030 الطموحة. المملكة وصلت إلى المرتبة الثامنة عالميًا ضمن أفضل 10 اقتصادات نامية في مجال التجارة الإلكترونية، وبلغ عدد المتاجر الإلكترونية فيها 42,900 متجرًا، كما وصل عدد التجار الموثقين في عام 2023م عبر خدمة توثيق التجارة الإلكترونية من المركز السعودي للأعمال إلى 16,556 تاجرًا من حاملي السجل التجاري و26,344 تاجرًا من حاملي وثائق العمل الحر، مع ذلك، لا تزال مبيعات التجارة الإلكترونية تشكل سوى 18 % فقط من إجمالي مبيعات تجارة التجزئة في المملكة، وذلك وفقًا لتقرير الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي صدر مؤخرًا حول آفاق التجارة الإلكترونية الواعدة. رغم النمو السريع للتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، إلا أنها كانت محصورة في عدد محدود من المتاجر الإلكترونية وواجهة تحديات كبيرة، من بينها ضعف البنية التحتية الرقمية، وقلة الوعي الثقافي بالتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى تعقيدات الشحن والخدمات اللوجستية، وصعوبة حماية بيانات العملاء وتقديم خدمات دفع آمنة، إلى جانب عدم القدرة على تقديم الدعم السريع للعملاء، خاصة خلال فترات الطلب المرتفع. كما شملت التحديات نقص مهارات التسويق الرقمي لدى إدارة المتاجر، وقدرتهم على تحسين محركات البحث والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن توفر التقنيات والأجهزة والبرامج اللازمة لعمل المتاجر، بما في ذلك أتمتة التسويق والخدمات السحابية وتجهيز منصات التجارة الإلكترونية وبوابات الدفع وأنظمة إدارة علاقات العملاء وبرامج الولاء. بالإضافة إلى ذلك، واجهة المتاجر الالكترونية ولازالت تواجه تحديات في توفير المكان المناسب والمساحة الكافية لإدارة المخزون والتنبؤ بمعدلات الطلب، أيضا بالنسبة لمتابعة المستجدات في الأنظمة واللوائح المتعلقة بتنظيمات التجارة الإلكترونية، وهياكل الرسوم، وحماية المستهلك، والمحافظة على خصوصية العميل، ومعرفة نسبة الضرائب والجمارك، وأخيرًا، توصيل الطلبات في نفس اليوم. للتجارة الإلكترونية فوائد كبيرة للمستثمرين، منها انخفاض تكلفة دخول السوق وتجاوز العديد من العوائق التقليدية، وخفض التكاليف التشغيلية، بالإضافة إلى الوصول إلى قاعدة واسعة من العملاء، حيث من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي منصات التجارة الالكترونية في المملكة إلى 34.5 مليون مستخدم بحلول عام 2025م، كما يُتوقع أن تبلغ قيمة الإيرادات الناتجة عن التجارة الإلكترونية في المملكة 260 مليار ريال، مما سيسهم بنسبة 12 % في الناتج المحلي الإجمالي. تتعدد طرق ونماذج التجارة الإلكترونية، حيث يمكن البيع وتقديم الخدمات مباشرة للعميل عبر المواقع الإلكترونية أو تطبيقات الأجهزة الذكية، أو من خلال منصات التجارة الإلكترونية مثل "سلة" و"زد"، أو عبر الأسواق الإلكترونية مثل "أمازون" و"نون". بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا مثل "تيك توك" في توفير إمكانية البيع عبر منصاتها، مما يفتح آفاقًا جديدة للتجار. تأسيس مجلس التجارة الإلكترونية ووضع الأنظمة واللوائح المساندة ساعد التجار والشركات الناشئة بشكل كبير على الدخول إلى سوق التجارة الإلكترونية بسهولة أكبر وعلى تقديمهم قيمة فريدة للجمهور المستهدف، كما أسهم في تعزيز قطاعات أخرى مرتبطة بها بشكل مباشر، مثل الخدمات اللوجستية، الدفع الإلكتروني، والتسويق الرقمي، مما يعزز النمو الشامل لهذا القطاع الحيوي.