في العام 1407 للهجرة - 1985م كان تخرجي من جامعة الملك سعود في الرياض، حيث راودتني الفكرة في تقديم دراسة متأنية عن تاريخ الحركة التشكيلية في المملكة، نتيجة لما لقيته من دعم من أساتذتي في الجامعة، حينما كنا نتحدث عن شح المصادر التشكيلية التي توثق للحركة التشكيلية المحلية. وفي العام 1406 للهجرة - 1984 م كتب الدكتور صالح بن ناصر وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب كلمة في غاية الأهمية في كتيب معرض المقتنيات التاسع، حيث قال:(يسرني أن أطرح على الشباب السعودي المثقف موضوعاً في غاية الأهمية، يتعلق بالحركة الفنية التشكيلية السعودية، وهو لا يهم الفنان التشكيلي السعودي وحده، وإنما يهم كل من يعمل في هذا المجال، مدرساً كان أو دارساً، مشرفاً أو منتجاً، هاوياً أو مبدعاً، حتى المتذوقين والعامة، ألا وهو كتابة تاريخ الفن التشكيلي المعاصر في المملكة العربية السعودية، لما له دور كبير في تمثيل المملكة ثقافياً في الخارج، مما لفت أنظار العالم اليها، وجعل العالم يتلمسون ثقافتنا من خلال فنونا، لذلك فإنني بهذه المناسبة أستحث كل من له إلمام بهذا الموضوع أن يوليه مزيداً من الاهتمام). وبدأت الفكرة تختمر في رأسي، ولا شك أن الكتابة في تاريخ الفن مغامرة كبرى، لكنها مضمونة النجاح بإذن الله، وخاصة أن الحاجة اليها في المملكة أصبحت ضرورة، ولقد أعددت استمارة تتضمن أسئلة تخص الفن التشكيلي المحلي وقمت بتوزيعها الفنانين، وفي العام 1412 للهجرة - 1990م اكتملت عناصر الفكرة لإصدار كتاب الحركة التشكيلية في المنطقة الشرقية، حينها جمعت المادة المطلوبة للكتاب، لأقدم هذا الكتاب بعد دراسة متأنية خاصة وأنه لم يسبق وأن كتبت دراسة عن الفن التشكيلي في المملكة. ونحن ندرك جميعاً أن الكتابة تلتزم الصدق، فكان لزاماً علي أن أزور الفنانين لأخذ المعلومة من مصدرها والتأكد من صحة ما هو منشور في الصحف. وقد استعرضت فيه بداية الحركة التشكيلية في المملكة متمثلة في إشهار مادة التربية الفنية في وزارة المعارف سنة 1957م، التي كانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية للحركة التشكيلية في المملكة، حيث اقيم أول معرض جماعي للفنانين عام 1389 - 1969م، وبعد ذلك تحدثت عن القنوات الرسمية التي أخذت على عاتقها رعاية الفنون التشكيلية، وكذلك إلقاء الضوء على جوانب متعددة من اتجاهات الفنانين. البدايات الأولى: كانت البداية الحقيقية للفنون التشكيلية في المملكة باعتراف كثير من الباحثين ومؤرخي الفن في السعودية بعد اعتماد مادة التربية الفنية، كمادة أساسية ضمن مواد التعليم العام في المملكة عام 1377 ه. تلك البداية كانت تعتمد على الممارسة الفنية التعليمية باستخدام قلم الرصاص، وألوان الباستيل، والشمع، والفحم. وبذلك بدأت الفنون التشكيلية تنمو ببطء، ممثلة في إنتاج مجموعة من الفنانين الهواة، أغلبهم من مدرسي التربية الفنية وبعض الطلاب الموهوبين، حيث كان الحصاد بطيئاً، فإعداد وتشكيل الأفراد قد يأخذ وقتاً طويلاً، من أجل أن تتبلور أفكار الأجيال الجديدة، وتتحرر من المؤثرات الأجنبية المختلفة لتتبلور بوضوح معالم الشخصية الفنية السعودية. وقد جاءت نتائج اعتماد هذه المادة سريعة، ففي عام 1378ه وهو عام البداية الحقيقية للمعارض الفنية المدرسية عممت وزارة المعارف هذه المادة على جميع مراحل التعليم العام. كما شهد العام نفسه دعماً حكومياً غير مسبوق وعلى أعلى مستوى. فقد افتتح الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود أول معرض فني مدرسي أقيم في نفس العام وضم جميع المراحل التعليمية بالمملكة. ويصف الرصيص (2000) افتتاح ذلك المعرض وآثاره بأنه في عام 1378ه/1958م أقيم أول معرض فني من إنتاج طلاب مدارس التعليم العام بمقر وزارة المعارف بالرياض، وقد افتتحه الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- وكان الملك فهد -رحمه الله- وزيراً للمعارف آنذاك. وقد اُعتبر الحدث تتويجاً لقرار وزارة المعارف بتدريس مادة التربية الفنية بالمدارس واحتضان رسمي للفنون التشكيلية. كما ساعد على إقامة المعارض الفنية المدرسية في جميع مناطق المملكة بعد ذلك حتى الآن، وهذا يساعد بدوره على ظهور المواهب الفنية الصغيرة في وقت مبكر لتشق طريقها في عالم الفن مستقبلاً. وبذلك تكونت أول قاعدة لإبراز الفن التشكيلي المتمثل في إنتاج مجموعة من الفنانين التلقائيين والهواة الذين مارسوا الإنتاج الفني من خلال مادة التربية الفنية بالتعليم العام، حيث كانت هذه المعارض المدرسية بمثابة تعريف للمجتمع بماهية الفنون التشكيلية، كما كانت مصدراً لإبراز المبدعين في مجال الفنون التشكيلية. وتتابعت بعد ذلك المعارض المدرسية ففي عام 1379ه/1959م «أقيم معرض جماعي للمدارس الثانوية بالمملكة في الرياض ففازت المدرسة العزيزية من مكة بالمرتبة الأولى وكان الفائز الأول فيها هو رائد الفن السعودي فيما بعد الدكتور عبد الحليم رضوي وكان اسم اللوحة (قرية) وهي تصور منازل طينية متفرقة مع أشجار النخيل» . وفي عام 1382ه/1962م جرت بعض التعديلات على برامج وأنشطة التربية الفنية، وهو نفس العام الذي عاد فيه أغلبية المبتعثين في هذا التخصص من مصر وبعض الدول الغربية والعربية بعد دراسة الفنون الأكاديمية. الفن: من البدايات الصعبة إلى الرؤية الطموحة.. منذ أن بدأت المملكة في التخطيط لرؤية المملكة 2030 وكل القطاعات في المملكة في حالة حراك متجدد، والفن التشكيلي هو جزء مهم من برنامج وزارة الثقافة، فتم إنشاء هيئة الفنون البصرية لترتقي بالفن والفنانين في المملكة. بينالي الدرعية.. حلم الفنانين في العام 2022 م تم اعتماد إقامة بينالي الدرعية ليواكب التطور الكبير في عالم التشكيل، وبدأت بواكير التطور منذ أكثر من عقدين من الزمن، حيث كان لبعض الفنانين المشاركة في العديد من المسابقات والتظاهرات الدولية، التي أكسبت الفنانين المزيد من المعرفة والجرأة في الطرح، وساعد في ذلك وجود مؤسسات تعنى بالفن التشكيلي، على سبيل المثال المنصورية وحافظ جالري، واليوم ونحن في العام 2024م لا بد أن تفرز تلك التوجهات عالماً من الفنانين المتجددين في فنونهم باختلاف طرق تقديمها وأدواتها. من أعمال الفنان عبدالحليم رضوي عبدالعظيم الضامن