كانت كل العوامل تبدو وكأنها تحديات لوجستية وتنفيذية معقدة تقف أمام إنشاء معمل الحوية "أول مشروع لتخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في المملكة العربية السعودية" غير أنه خرج إلى العلن فريدًا من نوعه. لم تكن جائحة كوفيد- 19 هي العائق الوحيد، بل أيضًا وقوع المشروع على أرض صخرية في منطقة نائية، والتداخل المعقد بين المشاريع الأخرى مع المقاولين، ومعدلات الضغط العالي، وضرورة التسليم بجدول زمني متسارع مع ضمان سلامة العاملين في المشروع، مع مراعاة الإجراءات والإرشادات لتنظيم تنفيذ المشاريع. يمثّل مشروع الحوية نموذجًا فريدًا، حيث تمكّن فريق العمل من إكمال الإنشاءات في الوقت المحدد دون تجاوز الجدول الزمني أو التكلفة المالية، مع الإيفاء بمؤشرات الأداء الرئيسة في أرامكو السعودية، ويكمن تفوق مشروع الحوية على المشاريع الصناعية المماثلة في أنه حقق إنجازًا أسرع، كما حقق المشروع أعلى نسبة توطين للمواد في الشركة بلغت 67%، و30% نسبة سعودة. استغرق إنجاز معمل تخزين الغاز في الحوية بكل تقنياته التي سنأتي على ذكرها حوالي 45 شهرًا، أي أن الإنجاز كان أسرع بنسبة 40% مقارنة بمشاريع نموذجية أخرى، إذ جُمع فيه بين مرحلتي اقتراح المشروع، ووضع التصميم الأوّلي، وذلك لتحقيق هدفين، هما توفير زمن قدره 12شهرًا، وتحقيق أقصى استفادة من المصنّعين والمورّدين والمقاولين المحليين. عملاقان لمعالجة الغاز يضم معمل الحوية مرفقين عملاقين لمعالجة الغاز ولحقن وتخزين حوالي 1500 مليون قدم مكعبة من الفائض يوميًا من شبكة الغاز الرئيسة إلى مكمن عنيزة في غير أوقات الذروة. وذلك لغرض تخفيف حرق النفط الخام اللازم لتوليد الكهرباء في المملكة، لأن تخزين الغاز يساعد على ضمان تزويد شبكة إمدادات الكهرباء المحلية خلال أشهر الصيف التي تشهد ارتفاعًا في الاستهلاك. وكذلك إنتاج الإيثان والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، والتي تعتبر منتجات غاز عالية القيمة. مواصفات المكمن الجديد لقد أسهم التفكير الخلّاق والعمل الدؤوب في نجاح وبدء تشغيل معمل تخزين الغاز في الحوية بشكل سليم، وأعلن هذا الابتكار بقوة عن نفسه عندما بدأ العام الماضي بالحقن في مكمن غاز حقل الغوار النفطي الناضب "عنيزة"، رغم أنه لم يكن لدى فريق العمل تصميم سابق لمعمل بأرامكو السعودية لتخزين الغاز في مكمن، كما أن نقل الغاز عالي الضغط لحقنه في المكمن يتطلب استخدام أنابيب خاصة. واشتمل المشروع على عدد من الابتكارات البيئية مثل: تقنية الرصد المستمر، وتقنية الاستخلاص الفاعل، وأنظمة استخلاص غاز الشعلات، وصمامات تخفيف الضغط المزودة بتقنية مراقبة التسرب منها، وأنظمة حماية الضغط عالية السلامة. وزُوّد المعمل بصمامات متطورة مصممة لمنع تسرب الغاز وتقليل الفاقد، واستُخدم تمثيل البيانات بالأبعاد الرباعية للمساعدة في شراء الأنابيب وتركيب شبكة الأنابيب، وبينما يصف تمثيل البيانات ثلاثي الأبعاد الأجسام والبيئات كما هي في الواقع، يحدد البُعد الرابع ما يطرأ عليها من تغيير بمرور الوقت، مما يوفر معلومات قيّمة لكيفية إدارة عملية البناء. كما استخدم فريق العمل أول آلة تستخدم في أرامكو السعودية لطباعة المباني الصناعية بالأبعاد الثلاثية. تقنيات سلامة حديثة رغم التحديات التي أُنشئ فيها معمل الحوية، فقد تضمّن المشروع منجزات كبيرة على صعيد السلامة التي تمثل إحدى القيم الرئيسة في أرامكو السعودية، إذ حقق المشروع 65 مليون ساعة عمل آمنة دون وقوع حوادث مهدرة للوقت، وكان إنشاء أول مركز لمراقبة المشاريع في الشركة ضمن إنجازات المشروع التي شملت- أيضًا- عدم وقوع وفيات مرتبطة بالعمل. وتضمن مركز مراقبة المشاريع أدوات تحليلية ذكية تستخدم عدة كاميرات تلفزيونية لاسلكية مغلقة الدائرة، وساعات ذكية، وتغطية حية للطقس لمراقبة وتسجيل أنشطة السلامة والأنشطة البيئية، وهذا يؤدي إلى سهولة التحكم السليم والتدخل الفوري، ويرتدي المشغّل كاشف غازات كروي متنقل يعمل بتقنية البلوتوث، كما توفرت في المشروع أجهزة ذكية أخرى مصممة للارتداء على الجسم للكشف الآني عن الغازات، وتستخدم هذه الأجهزة مستشعرات غاز لمراقبة التسرب في الزمن الآني وترسل إشعارات إنذار للتخفيف من المخاطر المرتبطة باختبار وجود الغاز في أماكن ضيقة يصعب الدخول إليها. واستخدم الفريق رمز الاستجابة السريعة (QR) لتسريع عملية المراقبة، وتحسين إدارة المعدات الثقيلة، ورُكّبت أجهزة استشعار ذكية للمساعدة في منع الاصطدامات من خلال التعرف على المشاة والأجسام المحيطة بالمركبة. الإطفاء الكيميائي وزوّد الموقع بكرات إطفاء كيميائية تتفكك بمجرد ملامستها ألسنة اللهب، وترش مواد كيميائية لإطفاء الحريق، أما غرف المعدات الكهربائية الأصغر حجمًا فاستخدمت فيها أشرطة مصممة بتقنية النانو لإخماد الحريق على الفور، وألصقت على صناديق توزيع الأحمال الكهربائية. ونتج عن استخدام ماكينات اللحام الدوّارة تحسين نسبة عيوب اللحام المقبولة، كما ساعد ذلك على التحكم في نسب رفض اللحام بسبب العيوب. وفي الوقت نفسه، استُخدمت معدات وقاية جديدة للأفراد مزودة بجهاز تنفس منقّي للهواء، ومن شأن هذه المعدات توفير الحماية من الأبخرة والذرات الخطرة. فضلًا عن كل ذلك تُعد المراقبة المستمرة، وأنظمة استعادة الغاز المشتعل، وأنظمة حماية الضغط عالية السلامة، من بين الابتكارات البيئية في معمل تخزين الغاز في الحوية.