في حرّ الصيف اللاهب في الأيام المنصرمة انتشرت في شوارع الرياض إعلانات ترويجية جديدة أشعرت سكان الرياض بالبرودة والانتعاش رغم أنف الحرّ الشديد، كانت هذه الإعلانات عن السياحة في مصائف المملكة الباردة.. أحد هذه الإعلانات كان عن السياحة في جنوب المملكة، يقول الإعلان: (صيّف في عسير؛ تراها تهوّل)، أبدعت صياغة هذا الإعلان الجميل حين اختارت كلمة دارجة لدى سكان منطقة نجد، ومن صاغها متمكن من فنون الإعلام والإعلان، كلمة (تهوّل) عبارة شهيرة يطلقها سكان منطقة نجد للمبالغة في وصف الشيء الجميل. وعلى ما درجت عليه عادتي السنوية؛ كنت أنوي الهروب من الحرّ إلى جنوبنا الغالي بعد زيارة مكةالمكرمة والفراغ من أداء العمرة والقيام بجولة في متاحفها ومواقعها الثقافية والتاريخية التي تم افتتاحها في السنوات الأخيرة. الإعلان الذكي الذي أشعرني بالانتعاش عجّل باتخاذ القرار لزيارة عسير الباردة وشجعني على طول المقام فيها. حزمت الحقائب ليلاً استعداداً للسفر، وقبيل الفجر تحركت بالسيارة سالكاً طريق الطائف السريع الذي امتلأ بالكثير من المحطات الفخمة بشكلها النموذجي الجديد لتعجب السالكين؛ إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة تُعزز فيها السياحة الداخلية ويذلل فيها كُل صَعبٍ يعرقل نموها ويؤخر تطورها. كان الطريق ممتعاً ونظيفاً ومليئاً برادارات مراقبة السرعة لحفظ سلامة المسافرين من المخالفين هواة السرعة الزائدة. اتجهت إلى الهدا في الطائف للإحرام من وادي محرم بدلاً من ميقات قرن المنازل للحصول على جرعة بَردٍ سريعةٍ مؤقتةٍ ريثما أحصل على الجرعات المكثفة الطويلة الأمد فوق مرتفعات عسير. بعد الفراغ من أداء العمرة في الحرم الآمن الشديد النظافة والتنظيم والذي بدا كخلية نحلٍ بسبب أعمال التوسعة الضخمة، بدأت جولة سريعة في متاحف مكةالمكرمة وشاهدت زوارها من جنسيات مختلفة ومرشدين سياحيين سعوديين يجيدون التحدث بعدة لغات لإرشاد الزائرين في مشهدٍ ذكرنا برجال الأمن المشاركين في تنظيم المشاعر المقدسة وهم يخاطبون الحجاج ويخدمونهم متحدثين بلغاتهم! انطلقت بعد ذلك إلى مرتفعات الطائف الباردة الغائمة ومنها إلى جبال الجنوب حيث الغيم والضباب أشد كثافة، ودرجات الحرارة التي تزداد نزولاً كلما ازددت ارتفاعاً. وعند الوصول وقع اختياري على أحد البيوت الشعبية الصغيرة في قرية هادئة وادعة للمكوث فيه إيثاراً للاسترخاء والاستجمام لمدة أسبوعين، بيت شعبي صغير يتموضع بين الضباب وتحت الغيوم حيث المطر الذي تراوح بين وابلٍ وطل؛ بعيداً عن صخب المدينة. هذا المكوث الهادئ جداً تخللته جولات على الأقدام بين المرتفعات والسهول والوديان وجولات بالسيارة للمزارات الترفيهية والتاريخية والمناطق السياحية الأخرى بأقل تكلفة بين أهل الجنوب الكرام. السكن في قرى عسير هادئ ورخيص، وبقية الخدمات تشبه أسعارها الأسعار في بقية مناطق وطننا الكبير. وكما أن عسير الجميلة كثيرة التنوع في تضاريسها ومناخها المتفاوت بين البرودة الشديدة في السراة والدفء في مناطق تهامة؛ فهناك أيضاً خيارات متعددة للراغبين في مستويات أعلى من الرفاهية بأسعار تناسب قدرتهم وملاءتهم المالية شأنها شأن المناطق الأخرى في العالم. إن التسويق الذكي للسياحة الداخلية ضرورة لا مفرّ منها للتعريف بمناطق المملكة المختلفة وإظهار ما تزخر به من ميّزات تاريخية وثقافية ومناخية تستطيع بها التفوق على دول كثيرة في العالم. والإبداع في صياغة المحتوى الإعلاني تجلى في الإعلانات المكثفة المنعشة التي شاهدها أهل الرياض تحمل صوراً لمرتفعات عسير الممطورة الخضراء وهي تتوارى في أحضان الضباب والسحاب. هذا الإعلان زاد من استعجالي لزيارة عسير المنعشة فطاب لي المقام وطال؛ لأنني وجدتها (تهوّل)!.