يبدو أن العالم الافتراضي أصبح هو العالم الحقيقي، والعالم الحقيقي أصبح الافتراضي، فبمراجعة بسيطة لعلاقاتنا نجد أن أغلبنا قد تمددت علاقاته في هذا العالم الشبكي، وأن مرحلة الافتراضي ارتبطت بفترة محددة انتقلت بعدها إلى حقيقة اجتماعية. اجتمعنا بشكل افتراضي من خلف شاشاتنا لفترة من الزمن ثم بدأنا نعرف بعضنا ونتواصل ونلتقي، وهذا أمر جيد، فالتواصل يعني مزيدا من فرص التعارف وتوسيع شبكة العلاقات التي تختلف من شخص لآخر. لكن الأهم ألا يكون التوسع على حساب نوع العلاقة فالعلاقات الجيدة مرتبطة بالصحبة أو المعرفة المفيدة وغير الضارة على المستوى الشخصي والاجتماعي، وليست مرتبطة بكثرة العلاقات وتوسع المعارف دون تأمل وتدقيق، والأمر الآخر الذي أظن أغلبنا قد وقع فيه أننا توسعنا في علاقاتنا المستمدة من معرفتنا الشبكية الافتراضية على حساب شبكتنا الاجتماعية الواقعية السابقة من أهل وأقارب وجيران وأرحام ورفاق عمر! نحتاج فعلا أن نراجع أنفسنا وأن نعيد التوازن إلى علاقاتنا، وألا ننشغل بنشوة العلاقات عن حقوق الرحم والجوار وأصحابنا قبل الشبكة. تبدل العوالم يجب ألا يجعلنا نبدل الأوليات كيفما اتفق بل كيفما يجب أن يكون هذا الاستثمار البناء لعوالم الشبكة، وألا نجعل حياتنا منفصلة المراحل فكل مرحلة لها حقوقها علينا، وكل علاقة لها قيمتها وأهميتها. نحن نحتاج إلى أن ننظر إلى واجباتنا الأسرية بدءا من الوالدين ومن يتصل بهما من الأقارب وجماعة الإنسان ورحمه، ومن لم يقطعه عنهم إلا انشغاله بالشبكة وعوالمها المتشعبة. والحقيقة الاجتماعية التي أقولها على لسان علم الاجتماع: إننا نعيش مرحلة تحول في العلاقات الاجتماعية هي الآن في ذروتها من خلال تفاعلنا واندماجنا التام مع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وهي في مرحلة الانتقال من الافتراضي إلى الواقعي، وقد تحقق هذا فعليا فمدة حضانة العلاقة في العوالم الافتراضية قد اكتملت وتولدت عنها علاقات حية مادية وجه لوجه وما زالت هذه المرحلة قائمة، وتمد الإنسان بعلاقات ومعارف متنوعة، ولكن الأمر الأهم هو أن نفرق بين التعارف الإيجابي والذي يرتبط باهتمامات مشتركة أو بتوافق في بعض السمات والصفات الشخصية، وبين الاستقطاب الذي يقف على بعدين بعد نافع وبعد ضار، فالبعد النافع هو ما يأتي بوضوح من خلال استقطاب أصحاب المهارات الذين أظهرتهم وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مؤسسات معروفة ذات مرجعية نظامية وقانونية. أما الاستقطاب السلبي فهو الذي يأتي من مؤسسات غير واضحة المرجعية أو أشخاص يٌشك في نواياهم ومقاصدهم. فتبدل العالم الافتراضي إلى عالم واقعي يستوجب منا أن نتعامل معه بوعي وإدراك وحرص.